لا يمكن بأي حال التصديق عقلاً، أن الإسلام ما هو إلا مجموعة من القيود الكثيرة، التي يقدمها عليه بعض غلاة الدين، ولا يمكن عقلاً القبول بأن هذا هو ما جاء به وعليه الدين الإسلامي السمح، ولا يمكن بأي حال أيضاً الموافقة على بقاء مثل هذه الصورة المشوهة عنه، فالإسلام قد حرص منذ أول ظهور له على تقوية الأبعاد الإنسانية والقيم الأخلاقية، بتأكيده على حرية الإنسان وحفظ الدم والعرض والمال، وهي القيم الكفيلة بصناعة أمة عظيمة ذات سمات نوعية حقيقية، تفاتح بها المستقبل دائماً، والشواهد الدامغة في القرآن الكريم، وسيرة أفعال وحديث الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، تنفي عن الإسلام صور التعقيد والتقييد والحجر والتنفير والترهيب، وهي مخاطبة لكافة البشرية على مختلف لغاتها وثقافاتها ومفاهيمها، عن يسره وتيسيره وسلمه وتسامحه.
فبتفحص آيات القرآن وتفكيك تراكيب خطابها على ضوء اللغة العربية، التي تُعد مربط الفرس الرئيس لفهم مضمون ما جاءت به الآيات القرآنية كونها اللغة التي نزلت بها، ونسقطها على تصرفات الرسول (عليه الصلاة والسلام) مع من أسلموا ومن أتوه يسألون عن الإسلام؛ ندرك بوضوح القصد والمقاصد التي ترمي إليها، ففي القرآن قال تعالى: (ما جعل الله عليكم في الدين من حرج)، و(لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)، ومن السيرة النبوية الشريفة، ما وراه البخاري ومسلم، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه، فجاءه رجل فقال: لم أشعر، فحلقت قبل أن أذبح، فقال: اذبح ولا حرج، فجاء آخر فقال: لم أشعر، فنحرت قبل أن أرمي، قال: ارمِ ولا حرج، فما سُئل عن شيء قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال: افعل ولا حرج".. وكذا ما ورد من "قصة الأعرابي الذي سأل الرسول عليه الصلاة والسلام عن أركان الإسلام، فعلمه الصلاة والزكاة والحج والصوم فقال الأعرابي: هل علي غير هذا؟ قال: لا إلا أن تطوع، فقال الأعرابي: لا أزيد على هذا ولا أنقص، فقال عليه الصلاة والسلام: أفلح الأعرابي إن صدق".
وهناك الكثير من البراهين الموضحة لمضمون إسلام الله تعالى لا إسلام الغلاة، الذين يجنحون بصلب الدين وروحه إلى ما لا تُحمد عقباه، متجاهلين أن أركان الإسلام خمسة وأركان الإيمان ستة فجعلوها ملايين الأركان! محملين الدين ما ليس في أصله بحج مُقترحة كحجة (درء المفاسد) وما على شاكلتها، والتي كانت ولا تزال مداخل خطيرة تُفضي إلى مأزق التكبيل والتضييق على الناس، لأنها فكرياً وأخلاقياً وثقافياً غير متصالحة مع روح ومبادئ الإسلام، فهي تجيير القطع ببعض الأحكام (تحليلاً أو تحريماً) إلى الشخص وثقافته وطريقة رؤيته وتقديره إلى مقاصد النصوص القرآنية وغايتها، وهي التي وصلت إلينا باللفظ لا بالمعنى كما هو الحال بالنسبة للحديث النبوي، وما يترتب على تلك الرؤية والتقدير لاحقاً من تطبيق والتزام مجاميع هائلة من المسلمين، يعكسون من خلال تطبيقهم ذاك -صواباً كان أم خطأً- صورة الإسلام والمسلمين لغيرهم من الأمم الأخرى، والغلاة في الدين يرفضون الاعتراف بأن تلك الحجج مسائل فيها نظر، كمبدأ تقاس عليه قيمة وجدوى (آرائهم الفقهية) -إن جازت تسميتها كذلك-، بتعنت لا طائل من ورائه، ومحاولاتهم إسقاط رأي قديم في زمن قديم وحالة قديمة ومعطيات قديمة، على حوادث جديدة في زمن ومعطيات ومتغيرات حديثة بالكامل! وهذا تكريس لمذهب فقه استعلائي جامد، ستكون نتائجه سلبية ووخيمة العواقب، تشجع على النفور من الدين. وأظن أننا اليوم بحاجة ماسة لمراجعة الموروث الفقهي الإسلامي الهائل بعقلانية، والوقوف على مكامن الضعف والوهن فيه، والتي تسببت تراكماتها على مدى القرون الماضية في تشويه صورة الإسلام والمسلمين بقسوة في ضمير كثير من الأمم الأخرى.
لست فقيهاً في الدين ولا عالماً ربانياً، ولكنني مُسلم مؤمن بأن "الله تعالى لا يمكن أن يهبنا عقولاً ويعطينا شرائع مخالفة لها"، كما يقول ابن رشد (رحمه الله)، والذي أزيد على كلامه، بالقول: إن الله لا يمكن أن يجعل الزمن متغيراً والحوادث والمعطيات متغيرة ويوقف فينا فن فهم التعامل معها، ولكان ثبات كل شيء على ما خُلق عليه مُبرراً لإيقاف الحال بالضرورة. وإلا ما نفع تكريم الله لنا كبشر بالعقل والتفضيل واختلافنا عن سائر مخلوقاته في الكون، إنها حكمة الله التي لم ولا يراها الغلاة على مر التاريخ الإنساني.
نقلا عن الوطن السعودية
- لبناء القدرات وتبادل الخبرات وزارة الدفاع توقّع مذكرات تعاون مع 10 جامعات
- رئيس الوزراء الكوبي يلتقي ممثلي القطاع الخاص السعودي باتحاد الغرف
- اليابان تطلق مركبة الشحن “إتش تي في-إكس” إلى محطة الفضاء الدولية
- الأمين العام للأمم المتحدة يأمل أن تلتزم بالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية
- بروكسل تعد القاهرة بمساعدات بقيمة 4 مليارات يورو خلال أول قمة أوروبية – مصرية
- لشيخ الدكتور صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان مفتيًا عامًا للمملكة العربية السعودية ورئيسًا لهيئة كبار العلماء ورئيسًا عامًا للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بمرتبة وزير
- الأمير محمد بن سلمان يوافق على اتفاقية مقر لمركز «أكساد» في المملكة
- 339 مبتعثًا سعوديًا يدرسون الأمن السيبراني في أكثر من 85 جامعة أمريكية تعزيزًا لتصدر المملكة العالمي في هذا المجال
- بدء أعمال هدم جزء من البيت الأبيض.. وترامب: سنبني قاعة رقص كبيرة
- التدريبات الرياضية هي أفضل علاج لأوجاع التهاب مفاصل الركبة
إسلام الاعتدال.. لا “الغلو”
Permanent link to this article: https://www.alwakad.net/articles/84702.html
