إنه أحد التطبيقات الجديدة التي تتحفنا بها التقنية كل فترة، اسمه: (يو ناو) أي أنت الآن، يتم تحميله بكل بساطة من سوق آبل أو قوقل لتنزيل التطبيقات، وهو عبارة عن فرصة للمشتركين ليمارسوا تجربة البث الحي الذي اقتصر لفترة طويلة على مقدمي الأخبار أو مذيعي البرامج المنوعة، لكن مع هذا التطبيق أنت قادر على الظهور المباشر على الهواء بدون كاميرات متطورة أو استديوهات مجهّزة ولا حتى فريق إعداد وإخراج، أنت فقط وهاتفك الجوال، وأمامك الجمهور الذي يحظى بفرصة التواصل الحي معك عبر خدمة التعليقات التفاعلية التي تظهر تحت الشاشة، مما يمكنك كمستخدم من الرد المباشر على أشخاص افتراضيين بأسماء مستعارة غالباً .. حسناً .. تبدو الفكرة جذابة والتجربة ممتعة للوهلة الأولى، لكن السؤال كيف تفاعل الجمهور السعودي - المقبل بعنف على وسائل التواصل ومنابر التعبير المختلفة نظراً لشحها بل وانعدامها أحياناً في حياته - مع البرنامج؟ وهل يا ترى أحسن استخدامه أو أجاد توظيفه؟ الجواب الذي استقيته عبر مراقبة البرنامج على مدى أيام وتحليل ردود ومشاركات المتفاعلين هو: لا طبعاً! بل إن ما رأيته يؤكد أننا نعاني من أزمة اجتماعية وأخلاقية كبرى وازدواجية مخيفة في المعايير، تتكشف خيوطها أمامك بمجرد دخولك إلى عدد من قنوات البث الحي الغارقة في أكوام من الهوس الجنسي الممزوج بالألفاظ والكلمات النابية، والتي تجعل الإنسان يتساءل هل نحن حقا ً مجتمع متدين ومحافظ؟ أم أننا مجتمع متخبط ومدّعٍ وغير متصالح مع نفسه؟ يحوّل كثيراً من البرامج ذات الغايات الطبيعية في التواصل الإنساني إلى ساحة من الغثاء الفكري والاجتماعي الذي يندى له الجبين وتقشعر له الأبدان.
ولأني أردت أن أعقد مقارنة سريعة مع قنوات البث الأجنبية والتي يحييها أشخاص أجانب غالباً من الولايات المتحدة الأمريكية، وأرى إذا كان سوء الاستخدام ينطبق على الجانبين، فوجدت كثيراً من المشاركين الأجانب يتواصلون بشكل طبيعي ومتزن، بل إن كثيراً منهم استغل البرنامج لعمل عروض عزف بيانو أو «غيتار» حية والاستماع بكل حب وامتنان لآراء المشاركين، فاتضح لي فعلاً أن أكثر الشعوب تحريماً لشيء هي أكثرها هوساً به.
السؤال الذي يطرح نفسه أمام هذا التناقض الأخلاقي المشهود أمام الآلاف، وإن كان من خلف الستار وتحت أسماء مستعارة، ماذا فعلت لهؤلاء الخمس مواد دينية التي يدرسونها منذ نعومة أظفارهم؟ وكيف أثرت بهم آلاف الخطب والمواعظ التي يتعرضون لها عبر المنابر والرسائل وقنوات الإعلام؟ وكيف تعمل كل حواجز الفصل بين الإناث والذكور في المدارس والمقاهي والمطاعم والأسواق، والشوارع المحاطة بالوصاية الأبوية، التي تؤمن بأنها تحرس الفضيلة وتمنع المجتمعقل من الوقوع في براثن الرذيلة والفساد، ونسيت بأنّ أطول الحواجز وأسمك الجدران وأعنف الحراس لن يستطيعوا إيقاف عقل ابتلي بالهوس بما ظل مخفيا ًعنه وبات موضوعاً مدججا ً بالقلق والمحاذير، ما جعله يبحث عنه ويطارد ظله في عالم افتراضي غامض لا يشبه عالمه اسمه الإنترنت! وبمجرد ما يخرج من تلك الغرفة الآمنة يعود إلى عالمه الحقيقي بين أهله وأصدقائه وبني عشيرته يصلي ويصوم ويرفض قيادة المرأة وفرض قانون لردع المتحرشين! إن تك الظواهر الاجتماعية التي ارتبطت طويلاً في المجتمعات المغلقة، لا تقتصر فقط على العوالم الافتراضية، بل إنها حاضرة بأشكال ومستويات مختلفة داخل أسوار المدارس والجامعات السعودية، التي تعاني على سبيل المثال لا الحصر من ويلات الشذوذ الجنسي، الذي مازال كثير منا ينكر وجوده في مجتمعنا (ذي الخصوصية) المشهودة! كل ذلك يحدث أعزائي في ظل غياب مريب ومخجل عن مراكز أبحاث وإحصاء ودراسات اجتماعية - نحن في أشد الحاجة لها - لترصد تلك الكتل والظواهر، وتحللها وتقدم لنا أسبابا ً وحلولاً لتجاوزها أو الاعتراف بها على أقل تقدير!.
نقلا عن الجزيرة
- بحث مستقبل الاستثمار والابتكار بالجامعات
- لبناء القدرات وتبادل الخبرات وزارة الدفاع توقّع مذكرات تعاون مع 10 جامعات
- رئيس الوزراء الكوبي يلتقي ممثلي القطاع الخاص السعودي باتحاد الغرف
- اليابان تطلق مركبة الشحن “إتش تي في-إكس” إلى محطة الفضاء الدولية
- الأمين العام للأمم المتحدة يأمل أن تلتزم بالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية
- بروكسل تعد القاهرة بمساعدات بقيمة 4 مليارات يورو خلال أول قمة أوروبية – مصرية
- لشيخ الدكتور صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان مفتيًا عامًا للمملكة العربية السعودية ورئيسًا لهيئة كبار العلماء ورئيسًا عامًا للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بمرتبة وزير
- الأمير محمد بن سلمان يوافق على اتفاقية مقر لمركز «أكساد» في المملكة
- 339 مبتعثًا سعوديًا يدرسون الأمن السيبراني في أكثر من 85 جامعة أمريكية تعزيزًا لتصدر المملكة العالمي في هذا المجال
- بدء أعمال هدم جزء من البيت الأبيض.. وترامب: سنبني قاعة رقص كبيرة
تناقض السعودي بين العالم الحقيقي والافتراضي!
Permanent link to this article: https://www.alwakad.net/articles/87912.html
