لطالما اتسم الإنسان في هذه البلاد، وعبر تاريخه الطويل، بإيمان عميق مكنه دوما من إشباع حاجاته الوجودية والفطرية، وحافظ بالتالي على استقراره وتوازنه النفسي.غير أن هذا الإنسان السعودي أخذ في العقود الأخيرة يعاني من غياب الوعظ بمعناه الروحاني المتسامح التكافلي، ليحل محله وعظ هائج متجهم مفعم بروح الغضب والتعصب والثأر والانتقام.هذا الوعظ الهائج الذي احتفى بالشكل وغيب المضمون جانب ــ للأسف ــ المثل العليا للضمير البشري؛ كالعدالة والحرية والمساواة واحترام حقوق الإنسان وقبول الآخر، ولم يستطع التسامي على الجشع أو الأنانية أو المصالح الذاتية والفئوية، وفشل في تحقيق رابط ما بين تراث نتباكى عليه، وحاضر لا نعرف كيف نتصالح معه.ولعل من أبرز سمات بعض الهوس الوعظي الهائج عدم الاتساق بين ما يدعى إليه وما يقام بفعله على أرض الواقع، وهو ما يمثل انشطارا في شخصية بعض أولئك الوعاظ إلى شخصيتين، شخصية تمثل العقل الظاهر في دعوى الزهد والانصراف عن دار الغرور، وأخرى تنوب عن الباطن في الاغتراف من كل أشكال الثراء والشهرة والسلطة.وعظ يقوم على الازدواجية القصوى بين تقزيم وتقريع الآخر، والحث على عدم الاغترار بحضارته الزائفة، وبين الأخذ بكافة الأساليب في الاغتراف من منجزاته، وذلك من رأس الواعظ حتى أخمص قدمه.Alholyan@hotmail.com
نقلا عن عكاظ


