في عام 1997، طرح رئيس الوزراء السنغافوري في حينه جوه شوك تونغ مبادرته لتطوير التعليم في سنغافورة تحت شعار "مدرسة تفكر.. وطن يتعلم".
لم يكن طرحا نظريا، بل تنفيذيا ومباشرا. والآن سنغافورة تجني حسن توجهها ازدهارا متواليا. لتكون ضمن الأرقى عالميا.
أعجبنا توجه سنغافورة وتمنينا أن يكون لنا نصيب من الرقي والتطور، وعليه أراد قادة هذه البلاد أن نهيئ الفكر القادر على قيادة التغيير التعليمي بدءا من الخارج وعبر أرقى الجامعات، فكان مشروع الملك عبدالله للابتعاث الذي ركز على الفرد وكيفية إعادة تطويره والرقي بمخرجاته، لتتوالى نتائجه الرائعة بصفة عامة، حتى الإبداعية الفردية ظهرت وبتجل من خلال المعلومات التي تردنا تباعا عن العقليات السعودية الرائدة في الابتكارات والإبداع شبابا وشابات، من تلك التي ستغير في العلم وتؤثر في المستقبل.
"خلق فرص الإبداع" وكيف يحضر الفكر الراقي حينما تهيئ البيئة المناسبة لذلك هو الأهم في موضوعنا، فالبيئة التعليمية المثالية أسهمت في تفجير طاقات السعودي محمد حسن كتبي، ومن خلال ما قرأت عنه أنه كان تلميذا عاديا في بلاده السعودية، لكن حين وجد الفرصة في بريطانيا من خلال البيئة التعليمية الراقية التي تهتم بتطوير الفكر استطاع أن يقترب من حل عقدة أسوأ ما يعاني منه العالم، عبر اكتشاف علاج لمرض السرطان، ذلك المرض الذي لم يجد علاجا ناجعا إلى يومنا هذا، ولأن لدى محمد كتبي بوادر التفوق فقد وفرت له بريطانيا كل البيئة المناسبة ليفجر إبداعاته "جريدة الرياض، عدد الجمعة الماضي" والأهم الأهم أن تلك البلاد التي لا تصرف إلا على علمائها قد خصصت لابننا النابغة ورغم صغر سنه مبلغ عشرين مليون ريال تكون خاصة به لتطوير أبحاثه.
هذا الأمر يدعونا إلى التفكير، فكم كتبي لدينا مدفون في مدارس وجامعات التعليم، لم يجد البيئة المناسبة ليفجر إبداعاته؟ وهو ما يعبر عن حزن داخلي لضعف بيئة التعليم المحلي.
فالبيئة التعليمية الجيدة هي التي تعين المعلم وتجعله في محل أفضل، وترتقي بالتلميذ وتحفزه على التطور والإبداع، والتركيز على أحدها -الارتقاء بالمعلم فقط دون النظر إلى المنهج وكل ما يتعلق بالبيئة التعليمية- يعد اجتزاء مخلا، لا أعتقد أنه يستطيع التطوير والارتقاء بالتعليم.
نقول إنه ورغم الإبداعات التي تتوالى تباعا من أبنائنا وبناتنا في الخارج، إلا أن تعليمنا المحلي الجاري ومن وجهة نظري لا يتوافق مع ما نتمناه، ونعتقد أنه سيستمر كذلك باتباعه المنهج الوعظي التلقيني، لأننا ما فتئنا نرفع مطالبات خاصة بتطوير جزئيات بسيطة، لا الرقي بالتعليم كاملا بيئة واستراتيجية شاملة لكل عناصر التعليم.
فمواكبة العالم والتعايش معه يحتاجان إلى مثل ذلك، ولنا في المتقدمين في ماليزيا وسنغافورة على سبيل المثال القدوة في تطوير البيئة والاستراتيجية التعلمية. لكن أن نستمر على ضخ المهدئات بتحريك المشاعر تجاه جزئيات تعليمية بسيطة، فأعتقد أن في ذلك خطر على التعليم وأخذه إلى مواقع أقل حتى مما كان عليها.
المهم في القول: إن بعثاتنا العامرة تحقق نتاجا راقيا، لكننا لا نواكبها على المستوى الداخلي، ولذا نتوقع أن تكون هناك فجوة تعليمية مضرة لبلادنا بين متعلمي الخارج ونظرائهم في الداخل، وعلينا أن نسارع بردمها لأجل مستقبل سعودي أفضل
نقلا عن الوطن السعودية
 

