أين نحن من هذا العالم؟ لا أعني جغرافيا، ولكن ضمن خارطة القوى! وكيف هو مستقبلنا ضمن هذا العالم الذي تتدافع قواه ليس من أجل البقاء وإنما من اجل التأثير وفقا للقوة التي تمتلكها بين قريناتها في هذا الكون الفسيح. مراكز الدراسات المتخصصة والمعنية بتصنيف الدول من حيث قوتها بناء على ناتجها المحلي وإنفاقها العسكري، وعدد سكانها، وتمكنها من التقنية رتبت عام 2010م 20 دولة من دول العالم ترى أنها الأكثر قوة، فوضعت أميركا أولا والاتحاد الأوروبي ثانيا، والصين ثالثا، والهند رابعا، واليابان خامسا وروسيا سادسا ثم البرازيل سابعا. غير أن التصنيف المستقبلي مختلف حيث تأخرت قوى وتقدمت أخرى، وفي حين بقيت أميركا أولا عام 2025م، فإن الصين حلت ثانيا وتراجع الاتحاد الأوروبي إلى المرتبة الثالثة، واستمرت بقية الدول في ترتيبها. لكن الترتيب بحسب المؤشرات سيتغير بشكل مثير منذ العام 2030م حيث تحل الصين أولا وأميركا ثانيا إلى عام 2050م، ثم تتراجع أميركا عام 2060م لتحتل الهند الترتيب الثاني بعد الصين وأميركا ثالثا.
المملكة حجزت لنفسها في التصنيف ضمن أقوى عشرين دولة في العالم، فكانت عام 2010م في المرتبة السابعة عشرة، سابقة كلا من تركيا وباكستان ونيجيريا. ويتوقع بحلول عام 2020م إن شاء الله أن تتقدم على كل من المكسيك وكندا، وتركيا وباكستان واسبانيا، واستراليا ونيجريا لتحتل المركز الثالث عشر. لكن التوقعات لا تتوقف عند هذا الحد وإنما تضع المملكة عام 2030م إن شاء الله في المرتبة الحادية عشرة مضيفة للدول التي تعقبها في الترتيب كلا من كوريا الجنوبية وإيطاليا، ويكون أفضل مركز للمملكة عام 2040م باحتلالها الترتيب العاشر بعد بريطانيا العظمى ومتقدمة على فرنسا.
إيران التي تملأ الدنيا ضجيجا لم تدخل نادي العشرين الأقوى في العالم ولن تدخله وفقا للمعلن من الإحصاءات، كما أن هذا الترتيب يخلو من أية دولة عربية ومن إسرائيل أيضا. وقبل فترة وجيزة تفاجأ الكثير من المحللين بكون المملكة ضمن أهم أكبر سبع دول تأثيرا في العالم. هذا البروز للنجم السعودي خلق للمملكة أعداء، ولكنهم كانوا يخشون من ردود أفعال تنبه العالم إلى المواقع المتقدمة التي تحققها هذه الدولة العربية الشرق أوسطية، ولذلك تصرفوا بعيدا عن الإعلان والإعلام، وبأساليب غير عدوانية، إلا أن المملكة لم تغب عن المراقبة وبشكل دقيق من قوى اقليمية وأخرى عالمية.
فكيف هو الوضع الآن بعد عاصفة الحزم؟
حالة من المفاجأة سارة للبعض ومخيبة لآمال البعض الآخر صاحبت تلك العاصفة، وبذلك انتقل التوجس من عالم الخفاء إلى العلن، وبدأنا نلحظ بين الحين والآخر مواقف عدائية وأخرى مرتبكة، وثالثة تبدي عدم ارتياح للدور السعودي الجديد في المنطقة. فالمملكة لم تعلن عن استقلال قرارها فقط وإنما أيضا قدمت جيلا شابا في سلسلة الحكم، وبذلك تركت خلفها حالة القلق التي كانت تخيم على الداخل وتطئمن الخارج من غموض مستقبل العرش.
ليس هذا فحسب وإنما أظهرت عاصفة الحزم التفاف المواطنين السعوديين حول بلدهم ودعم قراراته الشجاعة والجريئة، وتفاعل الشارع العربي والإسلامي بشكل غير مسبوق مع الزعامة السعودية.
ما تخشاه أية قوة تتربص ببلد من البلدان هو اللحمة الوطنية وتماسك المجتمع خلف قيادته، وهو الحصن المنيع الذي يصعب تجاوزه، ولذلك فإن هذه القوة الحقيقية مستهدفة الآن بحملات عديدة من أجل تحقيق اختراق ييسر مهمة العدو، ويضع الدولة والشعب تحت رحمة الحلفاء ومظلة الحماية.
أن تكون شجاعا فلذلك ثمن، وأن تكون مؤثرا في هذا العالم وقوة بين أقوى عشرين قطرا فإن ذلك يعد مسؤولية أخلاقية، وهو ما دفع بالمملكة إلى ممارسة دورها الأخلاقي في دعم الشرعية في اليمن والحيلولة دون اختطافه من فئة انقلابية تعد أقلية موالية لخارج اليمن. المسؤولية السياسية والعسكرية ردفتها مبادرات إنسانية بدأت بإعادة الأمل لليمن.
الثمن الذي تدفعه المملكة في سبيل المحافظة على مكانتها الدولية ومصالحها الوطنية والقومية، وتحرير قرارها باهظ جدا، والحكومة ليست وحدها معنية بهذا الثمن وإنما كل واحد منا له نصيب من الثمن ومن المسؤولية، وعلينا أن نتحمل واجباتنا تجاه بلد نريده شجاعا، وقويا ومؤثرا في مجريات الأحداث في العالم. أن تكون مؤثرا وقويا وفي ذات الوقت شجاعا وتمتلك قيمة أخلاقية مبدئية فإن ذلك يعني تعزيزا للخير في هذا العالم، ومسؤوليتنا جميعا أن نغلق منافذ التشكيك وأن نتصدى لرسائل الفتنة، فنحن في نهاية المطاف شعبا وقيادة نبحث عن غد أفضل ويجب أن نعمل على أن تكون بلادنا مستقرة وأن ينعم جيراننا بالأمن أيضا.
لمراسلة الكاتب: [email]aaltayer@alriyadh.net[/email]
نقلا عن الرياض