الوقت لا ينتظر المترددين، مرّ أكثر من عشرين سنة على مشاهدتي لمباراة منتخب المملكة في كأس العالم، وفي ذلك العام كانت نتيجته مخيبة للآمال، حينها تناولت ورقة وكتبت عدة مقترحات كان من أهمها: إبحثوا عن المواهب مبكراً، ابدأوا من القاعدة كما بدأ غيرنا، الصغار هم من يحتاجون إلى مدربين عالميين، لا توجد طرق مختصرة أو وصفة سحرّية، للنجاح، لم أرسل المقترحات لعلمي أننا لن نخطط لأكثر من عام أو عامين، واليوم تمر المملكة والمنطقة العربية بتحديات غير مسبوقة، تحديات داخلية وخارجية، ففي الداخل تحديات اقتصادية واجتماعية وأمنية، وفي الخارج تشتعل الحرائق ويزداد لهيبها، وتزداد النار ضراوة مع مضي الوقت ودخول عناصر جديدة لكل منها أهدافها وأطماعها، تسكب المزيد من الوقود على النار المشتعلة لضمان استمرارها وبقاء مصانع السلاح مزدهرة، وينشط سماسرة السلاح على مستوى العالم لإبرام المزيد من الصفقات على حساب التعليم والصحة والاقتصاد والتنمية.
المملكة اليوم تحارب على أكثر من جبهة اقتصادية وعسكرية وسياسية، فاليمن ومنذ تولى المخلوع علي عبدالله صالح الرئاسة وهو جرح نازف، كل يوم يمرّ تزداد الأوضاع سوءاً بالنسبة للشعب اليمني، والخوف الحقيقي هو أن تصبح اليمن أفغانستان أو صومال ثانية.
وفي مجال الاقتصاد وهو من أهم الجبهات وأكثرها أهمية تشكل أسعار البترول والتزامات المملكة نحو شعبها، ونحو أشقائها تحدياً آخر، ولهذا وضعت المملكة رؤيتها لعام 2030 وهي المحرك والأمل لتحول جذري يضع المملكة على الطريق الصحيح لما بعد النفط والتحول من دولة ريعية إلى دولة منتجة.
نجاح الرؤية يحتم علينا أن نحدد بكل دقة الأهداف المطلوب تحقيقها مع نهاية الرؤية، ومن أهمها رأس المال البشري الذي يعتمد عليه في البناء وحفظ الأمن وتنويع مصادر الدخل والرقي بالخدمات المطلوبة. وسيكون التعليم هو المحرك الأساس والعنصر الحاسم الذي من خلاله يبنى الإنسان وتتحقق الرؤية.
علينا أن نحدد اليوم كيف نريد أن يكون خريجو عام 2030 سواء من المرحلة الثانوية أو الجامعية أو كليات التقنية، ما هي الصعوبات التي نواجهها اليوم، وكيف يسهم التعليم في حلها؟ ما هي القيم التي نريد أن يتحلى بها خريجو ذلك العام؟ وما هي الثقافة التي يجب أن يتمتعوا بها؟ التعليم هو العنصر الحاسم في نجاح الرؤية ولهذا أقترح القيام بالخطوات الآتية:
أولاً- كل تأخير في إصلاح التعليم وتطويره هو تأخير في تحقيق أهداف الرؤية، فخريجو عام 2030 من المرحلة الثانوية هم طلبة رياض الأطفال لهذا العام، وإصلاح التعليم يجب أن يسبقه سؤال مهم وهو كيف نريد أن يكون خريجو ذلك العام؟ ما هي القدرات والمعارف والقيم التي يجب أن يتحلوا بها؟ كيف يجب أن تكون علاقتهم بزملائهم في العمل وبالمجتمع وبالعالم أجمع؟ كيف نوسع آفاق الطلبة ونجعلهم يقدرون الاختلاف ويعدونه نعمة من الله تستحق الاحترام، بل ويحتفى به كما هو في الدول المتقدمة؟ كيف نبعدهم عن عالم الجريمة والمخدرات وداء الكسل والسمنة؟ وبمعنى أشمل كيف ننشئ مواطناً صالحاً منتجاً صحيح العقل والبدن؟ بعدها توضع خطوات التطوير من قبل المختصين في إعداد المناهج، وإعداد المعلم ليستوعب كل جديد قبل أن يطالب بتنفيذه، وأهم أسباب نجاح المدرسة حسن اختيار قائدها وإطلاعه على تجارب الدول الناجحة في مجال عمله.
ثانياً- من أهم الأولويات لتطوير التعليم تحبيب الطالب بالمدرسة، ومنع التسرب من المدارس في سن مبكرة، ومن أهم وسائل تحبيب الطالب بالمدرسة إخراجه من ذلك النمط الجامد في الفصل الذي يعارض أبسط احتياجات الطفولة ومبادئ التربية إلى عالم المرح واللعب الموجه والنقاش والتجارب والممارسة، وعلى سبيل المثال: لو كان الهدف أن يهتم الطالب بالنظافة ويحترم البيئة فعلينا أن نطبق ذلك في المدرسة أولاً فيشارك الطالب في نظافة الفصل وساحة المدرسة بشكل يومي، ويسهم من وقت لآخر مع زملائه ومعلميه وأولياء الأمور في مسح ما يكتب من عبارات مسيئة على أسوار مدرسته، ويشارك في حملات جماعية لنظافة المتنزهات حتى تصبح النظافة وحماية البيئة عادة ثم سلوكاً يطبقه خارج المدرسة، وهكذا نعمل مع كل قيمة أو عادة نرغب في زرعها في المجتمع فنضعها ضمن المنهج بكل مواده وأنشطته.
ثالثاً- خريجو عام 2030 يجب أن يكونوا قادة واثقين بأنفسهم، وأهمها قدرة الطالب على قيادة حياته الخاصة واتخاذ القرار الصائب نتيجة الفكر الناقد، وهذا يتطلب دماء جديدة في الوزارة يؤمنون بالتغيير والتطوير، ومعلمين يؤمنون بقدرات كل الطلبة ويعززون ثقة الطالب بنفسه وتشجيعه على إبراز قدراته الكامنة، كما يتطلب جهوداً مشتركة من البيت للتعاون مع المدرسة، يجب أن يشارك الوالدان في زرع الثقة بالأبناء وتقوية صلتهم بالمدرسة.
التعليم هو الأداة الفاعلة بيد الحكومة لتحقيق الرؤية وما تعنيه من تنويع مصادر الدخل والقضاء على الفقر وزيادة أعداد الطبقة المتوسطة، وتعزيز الأمن، وجعل المملكة في مصاف الدول المتقدمة.. التعليم الجيد يستحق كل ما يبذل من أجله من مال وجهد ومتابعة.
نقلا عن الرياض