في غياب اللوائح والأنظمة والقوانين المنظمة لنشاط أصحاب المهن يصبح الأمر حسب أهواء ورغبات واستغلال بعض أصحاب المهن، إن النظام الرقابي على الأسعار يستهدف حماية المستهلك أولا وأخيرا ويمنع استغلال بعض من التجار أو مقدمي الخدمات للمستهلك وعلى وجه الخصوص الفقراء ومحدودي الدخل، ونظام حماية المستهلك هو أحد أقدم الأنظمة التجارية بدأ قبل 50 عاماً ولوزارة التجارة السعودية دور بارز ومهم في حماية المستهلك بصفة عامة وحماية أسعار السلع الأساسية الغذائية بأنواعها من التضخم، والحقيقة هناك جهود كبيرة تبذل من قبل وزارة التجارة لحماية المستهلك في مجال

الأسعار والجودة إلا أنه رغم جميع هذه الجهود يوجد اختراقات وانتهاكات للأسعار وجودتها بعيدة عن عين الرقيب والمسؤول نظرا لاحترافية الغش في التسعير والجودة أو لعدم قدرة الإمكانيات المتاحة من قوى بشرية ومالية وآليات وتقنية في مراقبة السوق المتضخم بعدد المؤسسات والشركات النظامية وغير النظامية (التستر التجاري).

ومنطلقا من دور الدولة في حماية المواطن فهناك جهود كبيرة تبذل لمراقبة أسعار الفنادق والشقق المفروشة وتسعير الخدمات التعليمية الأهلية من مدارس أهلية سعودية ودولية أو كليات وجامعات أهلية ومتابعة الرسوم وعدم السماح بزيادة الرسوم إلا بمبررات منطقية ومقبولة توافق عليها وزارة التعليم عبر ضوابط ولوائح محكمة حفاظا على عدم المساس بالمصلحة العامة للطلبة وأولياء أمورهم، والأمر ينبغي أن يكون كذلك في متابعة وزارة الصحة للمستشفيات والمراكز الصحية والمستوصفات، وتسعير الخدمات الصحية حسب نوعية ومستوى الخدمة المقدمة.

وسوف أقتصر اليوم على أهمية حماية الدولة للمواطن والمقيم من ظاهرة ارتفاع أسعار الكشف الطبي في عيادات بعض الأطباء السعوديين من الجيل الجديد الذين ابتعثتهم الدولة وصرفت عليهم الملايين حتى أصبحوا متميزين في تخصصاتهم، إلا أنهم وللأسف استغلوا علمهم في المتاجرة به، رغم أن معظمهم مازالوا على رأس العمل أساتذة في كليات الطب أو استشاريين في بعض المستشفيات الحكومية ويعملون مساء في أيام الأسبوع في مراكز عيادات طبية ويفرضون تسعيرات مبالغة جدا حيث وصلت تسعيرة كشف بعضهم (4000 ريال) والآخرون (3600 ريال) وغيرهم (3000 ريال) ويكررون نفس التسعيرة عند المراجعة للمريض علما بأن المراجعة عادة تكون مجانا أو برسوم رمزية، ويتعامل بعضهم مع مراكز أشعة ومختبرات تحاليل طبية مقابل نسب من فاتورة المرضى المحولين من قبلهم، ويؤسفني كل الأسف أن وزارة الصحة تراقب وتفرض الأسعار على المستشفيات الخاصة وتتغاضى في مراقبتها على مراكز العيادات الطبية الخاصة والتي يسمح بعضها لأطباء غير نظاميين أو أطباء موظفين في جهات رسمية بمزاولة المهنة بدون وضع أسمائهم وشهاداتهم وكروتهم.

ورغم اعتراض العديد من المرضى ورفع شكواهم لوزارة الصحة إلا أن غياب المتابعة من وزارة الصحة نظرا لانشغالها في أمور أخرى قد تكون أهم، يتمادى بعض الأطباء المتاجرين بالمهنة غير مكترثين بوزارة الصحة أو بالمصلحة العامة للمرضى، ونسوا أن دولتنا هي صاحبة الفضل عليهم تعلموا مجانا في الجامعات الحكومية وابتعثوا على حساب الدولة مع زوجاتهم وأبنائهم، ولكنهم للأسف لم يراعوا الخدمة الإنسانية في رعاية المرضى ونسوا البعد الاجتماعي للمهنة.

أسجل اليوم هذه الظاهرة التي وقفت عليها شخصيا بعد أن سمعت تذمر العديد من المرضى، فهل تتجاوب وزارة الصحة وأخي معالي وزير الصحة في وضع لائحة لأجور كشف الأطباء في العيادات الخاصة، علما أن هناك لائحة للأجور الطبية مطبقة في العديد من الدول العربية والخليجية تلزم الأطباء بالتعامل بها ومن يخالف اللائحة برفع أسعار الكشف سيتعرض لعقوبة الغرامة وتكرارها يعاقب بسحب ترخيص مزاولة المهنة.

لقد تمادى بعض الدكاترة الشباب خريجي الدكتوراه من بعثات الدولة في الخارج في التعسف برفع أسعار الكشف في عياداتهم الخاصة في الوقت الذي يحافظ أساتذتهم من الدكاترة على شرف المهنة وذلك بالحفاظ على تسعيرات الكشف لتكون في متناول الجميع، ولجأ البعض من الرواد إلى منح حسومات تصل إلى 50 % لذوي الدخل المحدود وبادر البعض الآخر لتقديم الاستشارات الطبية مجانا في الإجازات في عياداتهم الخاصة.

إن مطلبي اليوم هو ضرورة تدخل وزارة الصحة لوضع حد لهذه الممارسات المستغلة للمرضى من المواطنين والمقيمين ذوي الدخل المحدود والفقراء، وإن جاز لي الاقتراح فإنني أقترح مقاطعة هؤلاء التجار من الأطباء حتى يعودوا إلى صوابهم ويلتزموا بشرف وأخلاقيات المهنة.

*كاتب اقتصادي سعودي

نقلا عن عكاظ