عبارة "الإسلام في خطر" عبارة قد تستخدمها إيران لتجييش الدهماء من أتباعها، وتقصد بذلك "ولاية الفقيه في خطر"، فهذا الذي يعنيها ككيان أيديولوجي لا يستطيع الفرز ما بين نظامه الجمهوري القائم في تشكيله الظاهر على آخر ما عرفته البيروقراطية الغربية من تنظيم ديمقراطي، وما بين باطن ولاية الفقيه التي ساقت الملالي من الحوزات والتكايا إلى ميدان السياسة بمعطياتها البراغماتية ودهاليزها الملونة، لتصبح الجمهورية الإيرانية "بدلة إفرنجية تعجز عن إكمال هندامها" كأزمة أيديولوجية ترى في ربطة العنق مأزقا وجوديا لا يغتفر.
عبارة "الإسلام في خطر" عبارة قد تستخدمها "دولة الإسلام في العراق والشام"، وتقصد بذلك "عقيدة الصعاليك في خطر"، تلك العقيدة وذلك الفقه اللذان قررت الحياة بهما لتسبي النساء وتبيع الأطفال وتحرق البشر، وكلمة صعلوك عند العرب الأوائل تشير إلى منشقين عن قبائلهم كونوا لهم رابطة أخلاقية تخصهم كأول ثورة "أناركية" في التاريخ العربي القديم تبرر لهم السلب والنهب وسفك الدم.
عبارة "الإسلام في خطر" عبارة قد تستخدمها أي دولة من "سبع وخمسين دولة" عضو في "منظمة المؤتمر الإسلامي" بطريقة تعطيها زخما سياسيا بين الدول الأعضاء، لتستثمره في مصالحها السياسية الخاصة بنفوذها الإقليمي، وقد يستخدمها حزب سياسي في صراعه الداخلي ضد الأحزاب الأخرى في بلد مسلم، إما للفوز بالانتخابات، أو ليكون عرَّاب حربٍ أهلية لا تبقي ولا تذر.
عبارة "الإسلام في خطر" عبارة لم يستخدمها المسلمون في عصور النشأة الأولى، بل إن المتتبع للتاريخ الإسلامي يتفاجأ بأن أشد فترات "الخطر على الإسلام" لم تكن بيد كسرى وقيصر، بقدر ما كانت في "مقتل عثمان، معركة الجمل، صفين، التحكيم... إلخ" ورغم كل هذا لم تستخدم عبارة "الإسلام في خطر" كاستخدام من نراهم حولنا من جماعات ودول تحارب بعضها بعضا، ولعل من أذكى دراسات علم الاجتماع السياسي لتلك الفترة التاريخية القديمة بين الصحابة هي الدراسة التي ركزت على فكرة "صراع الأجيال"، حيث قرأت تلك الأحداث بعيدا عن الأشخاص والأسماء، واتجهت إلى قراءة الأحداث التاريخية وفق معطى تغير الأجيال.
ترى تلك الدراسة أن أسباب الخلاف "مقتل عثمان، الجمل، صفين، التحكيم... إلخ" تعود إلى صراع جيلين، والجيل كما يرى المؤرخون هو ثلاثون سنة، فكل ثلاثين سنة يأتي جيل جديد له متطلبات جديدة مختلفة كليا عن متطلبات الجيل الذي يليه، وعليه فقد كان سبب الصراع بنيويا "صراع أجيال"، جيل قديم عاش فترة النبوة الأولى وصعوباتها، وجيل جديد عاش ونشأ وترعرع وبلاد الشام والعراق ومصر ترسل خيراتهما الحضارية المادية والمعنوية إلى مكة والمدينة، إلى الحد الذي جعل "الخلافة الراشدة" تتحول إلى "الملك العضوض"، كي تستمر متناغمة مع "النظام العالمي" آنذاك، بل وتنتقل عاصمة العرب المسلمين من "المدينة المنورة" إلى "دمشق"، ولهذا فالمسألة لا تعود إلى دهاء أحد ولا قلة خبرة أحد بالحرب والسياسة، بل تعود إلى لغة الزمن التي جعلت صراع الأجيال هو المحرك والفيصل الحقيقي ما بين طريقة قديمة يعرفها الآباء المؤسسون، وطريقة جديدة يسعى إليها الأبناء الجدد ويرونها ماثلة في العالم من حولهم، ولم يكن المنتصر في هذا الصراع سوى الراكب على موجة الجيل الجديد ليعطيهم ما يريدون ويأخذ ما يريد.
لنقفز على التاريخ العربي القديم، ونتأمل فرنسا في الستينات وتصادم جيل عاش ويلات الحرب العالمية الثانية مع جيل جديد لا يعنيه تصلب الجيل القديم وتقاليده المتشددة، فكانت أحداث مايو 1968 والتي تنسب لمجموعات الطلبة أولا، ثم تحالف الطبقات العاملة معها، مما اضطر شارل ديجول إلى الانسحاب من المشهد ليعلن الانتخابات المبكرة واستقالة الحكومة، "ليت الرؤساء العرب من صدام حسين وحتى علي صالح فعلوها، مرورا بمرسي العياط بعد ذلك"، وليقدم استقالته بعد خسارته في الاستفتاء الذي تقدم به، وليكتشف أن الثورة ليست انقلابا على فرنسا الدولة، بل ثورة على النظام القديم في إدارتها.
أخيرا، هل الإسلام في خطر؟ والإجابة: إذا كان المقصود بالإسلام هو ما وجده الإمام محمد عبده في أوروبا عام 1881 عندما قال: "وجدت إسلاما ولم أجد مسلمين"، فالإسلام ليس في خطر، وإن كان المقصود بالإسلام معتنقيه من المسلمين فكيف نخاف على مليار ونصف المليار مسلم موجودين في كل أنحاء العالم تقريبا، وتمثلهم سياسيا "سبع وخمسين دولة عضو في هيئة الأمم المتحدة"، عدا المنظمات والهيئات كرابطة العالم الإسلامي... إلخ.
الخطر الحقيقي والوحيد على الإسلام لن يكون إلا من المسلمين، ولو عملنا إحصائية طيلة التاريخ الإسلامي منذ نشأته وحتى الآن عن عدد ضحايا المسلمين بسبب غير المسلمين وعدد ضحايا المسلمين في حروبهم وصراعاتهم البينية لرأينا الفاجعة تحت غطاء الخطاب التعبوي ضد الآخر غير المسلم، الذي لن يجيء لبلاد المسلمين لولانا، نحن نطلبه ضد بعضنا بعضا، فكيف ننسى الكامل ابن أخ صلاح الدين الأيوبي الذي سلم القدس لفريدريك الثاني في سبيل قمع مطامع أخيه الأشرف ملك دمشق، متناسيا دماء المسلمين التي سفكوها في حطين في سبيل انتصار عمه صلاح الدين الأيوبي، فهل ما زلنا نخاف على الإسلام من غير المسلمين، أم أن التاريخ يعطي إجابته بأن الخوف على الإسلام لا يكون إلا من المسلمين في صراعات نفوذ سياسي يساق الناس لها باسم العروبة حينا، وباسم الدين أحيانا كثيرة.
نقلا عن الوطن السعودية