بعض المدن نعرفها دون أن نكون زرناها. لدينا لها صورة ذهنية واضحة ومعالم أساسية مطبوعة في ذاكرة لم تشهد يوما فيها. لو رأينا أحد شوارعها قد نتعرف عليه من كمية المعلومات البصرية التي نمتصها دون أن نحس من خلال الأفلام والمسلسلات التي نتابعها. من خلالها يتولد لدينا إحساس بمعرفتها لدرجة أننا عندما نزورها لأول مرة قد نظن أن لنا ذكريات فيها وقد نبحث عن شوارع ومعالم كأننا نعيد زيارتها ونسترجع تلك الذكريات.
بعض المدن التي ينطبق عليها هذا الوصف تشمل: نيويورك، ولوس أنجيلوس، وشيكاجو، ولاس فيغاس، أما في أوروبا لعل أشهر مدينتين هما لندن وباريس. كم فيلم أو مسلسل شاهدت تكون أحداثه في إحدى هذه المدن؟
الثقافة الإعلامية المرئية ذات تأثير بالغ على تشكيل رؤيتنا للعالم. وعندما تكون هذه الصورة المنقولة أحادية التوجه فإننا نحصر فهمنا في مجال ضيق. كنت أسمع في المدرسة قصصا عن كيف يعيش «الأمريكان» وكانت تستقى مباشرة ودون تنقيح مما كنا نشاهده في التلفاز. صورة ذهنية مغلوطة وقاصرة. فكما نشتكي كيف أن أحد الأفلام لم يصور الشخصية العربية الوحيدة به بالصورة الصحيحة لعله من الواجب أن نعرف أن أفلام هوليوود لا تمثل كيف يعيش غالب الشعب الأمريكي تماما كما هي بوليوود لا تمثل معيشة شعب الهند. ما نراه في الإعلام وساطة في التعبير وليس نقلا محايدا. فبركة لصورة ذهنية تخدم قصة الفيلم وتمثل رؤية المخرج في تمثيل المدينة والواقع. أتعجب مرارا من الفروق الثقافية الإعلامية بين دولة وأخرى والقيم التي ترتبط بها. ومعايشة الثقافة الإعلامية لدول عشت فيها لسنوات مثل النمسا وألمانيا وبريطانيا وأمريكا أكسبتني حس المقارنة. صحيح أن جزءا من متعة المشاهدة اختفت مع التحليل الذي أقوم به مضحية بالقصة من أجل استجواب أهداف المخرج إلا أن هذا النوع من المشاهدة أكثر متعة بالنسبة لي بالذات بعد أن أصبحت غالب الأفلام تتبنى معادلة واحدة حسب نوع الفيلم. هذه المعادلة تهتم بعدد الانفجارات والمطاردات والحسناوات في أفلام الإثارة والشخصيات غريبة الأطوار في الأفلام المضحكة ولكم أن تقيسوا على أنواع الأفلام الأخرى.
الكثير من الأهداف المبطنة والمعلومات المغلوطة يمكن أن يصلنا من خلال الإعلام المرئي دون أن يقال بشكل صريح. وفِي المقابل علينا أن نعترف بأن الإنتاج الفني فرصة رائعة لتشكيل الصور الذهنية لدى الناس. ففيلم واحد قد يجعلك ترى مدينة ما على أنها شبابية وذات بريق بينما يصورها آخر على أنها واجهة مزيفة لمدينة متهالكة كل ذلك يصل للمشاهد في أقل من ساعتين.
إنتاجنا الفني المحلي ما زال محدود النطاق ومسلسلاتنا تركز على المشاهد الداخلية وتفتقر الحس الحضري في تصوير المدن.
ما زلت أتذكر كلمة سمعتها في أوائل ابتعاثي وهي أن كل مبتعث سفير لوطنه، وإن كانت الفكرة رائعة إلا أن الجهود فردية وقد لا يكون لها تأثير كبير. أما الإنتاج الإعلامي الموجه فله إمكانيات لم تستغل بعد لتشكيل الصورة الذهنية الإيجابية لمملكتنا.
نقلا عن البوم اليسعودية