خذوھا مني.. كل ما یكتبھ المتنافسون تحت وسم #ھویة_الحجاز ھو صحیح بالضرورة. من یقولون إن ھویة الحجاز (الثقافیة) تعود لأبناء القبائل العربیة العریقة الضاربة في عمق تاریخ المنطقة (قریش، ثقیف،ھذیل،حرب، سلیم، .. الخ) صادقون ومصیبون.. ومن یقولون إنھا تعود لتلك الأفئدة من الناس التي ھوت إلى الحجاز من كل بقاع الأرض استجابة للدعوة الإبراھیمیة ھم صادقون أیضاً.. لا یجب أن یكون ھنا خلاف
أبداً ٌ ، فالثقافة منتج تشاركي، وكل یصف المشھد الثقافي الحجازي المتشابك والعریض جداً، والجمیل جداً جداً ٍ من جھتھ، ومن زاویتھ الخاصة.. ما ھو عار عن الصحة تماماً ھو محاولة بعض (المتعصبین) النظر لھذا المشھد الواسع بعین ضیقة، لا تتجاھل الآخر، وتلغي منجزه الإنساني فحسب، بل تحاول إلغاء آلاف السنین .من التعایش المتسامح، والتثاقف، والتناغم الإنساني الجمیل الذي میَّز ھذا الإقلیم المبارك
الحجاز من المناطق القلیلة في العالم التي تمثل حالة متفردة في تركیبتھا الدیموغرافیة والأنثربولوجیة، التي تقوم على تعدد وتعایش وتراحم أدھش كل من زاره. یشید المستشرق الإنجلیزي (جون كین) في كتابه «ستة أشھر في الحجاز 1877م» بھذا التناغم الإنساني النادر بین أعراق مختلفة، ویرجعھ إلى حب المسلمین
لتلك الأراضي المقدسة، ویؤكد طھ حسین ھذا بقولھ حین وصل جدة ١٣٧٤ھـ: «كان الفرنسیون یقولون: إن ین؛ وطنھ الذي ولد فیھ وفرنسا التي تثقف فیھا»، وأنا أقول: لكل مسلم وطنان؛ وطنھ الذي نشأ لكل مثقف وطنَ .فیھ وھذا الوطن المقدس
لقد كان الحجاز وما زال نقطة جذب إنساني رائعة، لذلك لم یكن من الغریب أن یتحدث بأكثر من لسان، وأن یقبل ھذا التنوع الواسع الذي قد یصل حد التناقض أحیاناً.. الثوب العربي (أبو محارید) حجازي، والعقال وقبلھ العصابة حجازیة أیضاً، وكذلك الغباني والعمة أصبحت حجازیة ھي الأخرى.. المجرور حجازي، .والخبیتي حجازي والقلطة حجازیة، وكذلك الحال مع الصھبة والعجل والمزمار
التعددیة بكافة أنواعھا ھي سمة الحجاز الأكبر، لأنھ الحجاز العظیم الذي كان كریماً مع كل مریدیھم وضیوفھ، فاستقبل الإنسان واستقبل حضارتھ معھ بكل أریحیة وتسامح، موفراً لھم بیئة مناسبة للتعایش . ُ الحضاري دون تحیز لطرف عن آخر، ودون انتقاص من م ِّكون لمصلحة آخر
النظرة إلى الحجاز یجب أن تكون نظرة ثقافیة شاملة ومنصفة وبعیدة كل البعد عن النفَس الطائفي ِّ المتعصب.. ومحاولة إزاحة أي عنصر أو مكون من المشھد الثقافي ھي عملیة عنصریة نرفضھا، ویرفضھا .الوطن
نقلا عن المدينة