في الوقت الذي يستسلم البعض لدعاوى التعصب والتنصل من نتائج الحروب والكوارث الطبيعية تظهر مبادرات مناهضة لتلك الطاقة المدمرة، مبادرات تتحمل مسؤولية الإنسان بصرف النظر عن جنسه وثقافته، وتسعى لخلق فرص لتعزيز حقه في الحياة الكريمة واستثمار الطاقات الكامنة سواء في البيئة أو الذات. وهنا تستوقفنا تجارب أفراد في دول مثل الهند أو دول أفريقيا، والتي يقودها مبدعون أخذوا قراراً بعمل ما بوسعهم ولو كان ضئيلاً لتخفيف وطأة الفقر والمرض والجهل ونقص التعليم عن الشعوب الفقيرة، وبالتالي لتغيير العالم من خلال محاولاتهم تلك.
ومن ذلك التجربة التي أسسها جيم إليسوورث Jim Elsworth العام 2007 في دولة تنزانيا، ورفعها كشعار للانطلاق في تشجيع الابتكار «تويندي Twende» والتي تعني في اللغة السواحيلية «دعنا نذهب»، ثم العام 2012 تجربة «إييس Aise» والتي تعني «واو.» وأسسها بيرنارد كيويا Bernard Kiwia العام 2012، بيرنارد ميكانيكي الدراجات الذي اخترع شاحناً لهاتفه النقال يشحن من دراجة وانتهى بتأسيس مؤسسة «واو» العام 2012، والتي تعني «تسريع الابتكار وريادة الأعمال الاجتماعية».
نعم من مثل تلك العجيبة انبثقت مشروعات الإبداع في تنزانيا، بدأت تويندي بما يشبه التوعية بالقدرات الذاتية، قدرات الرصد لاحتياجات المجتمع وقدرات النهوض لاكتشاف حلول تقنية مبتكرة لتلبية تلك الاحتياجات، وذلك من خلال تنظيم ورشات عمل للمواطنين الشبان، تتابع الورشة البحوث وتتوسع في توفير التحفيز على الابتكار، ليس هذا فحسب وإنما تواكبهم هذه المؤسسة بتوفير فرص لتمكينهم ودعم مشروعاتهم مادياً ومعنوياً.
ولم تلبث أن تضافرت جهود «تويندي» مع «واو» التي وفرت برامج تدريبية ركزت على بناء القدرات الإبداعية ضمن ورشات عمل ترفع مهارات التصميم والابتكار، ومتابعة المبتكرين الطموحين بتقديم المشورة وتذليل الصعاب لضمان استمرارية ابتكار المنتجات التي تسهل الحياة وترفع مستوى معيشة الأفراد.
ولقد تكثفت منذ العام 2015 الجهود التعاونية بين بيرنارد وجيم، حيث توسعت جهودهما لتنظيم ورشات عمل لطلبة المدارس المحلية، وذلك بهدف خلق موجة من الحماسة للإبداع والجرأة على اقتحام المشكلات، والمشاركة ليس فقط في عواصف التفكير وإنما أيضاً في المخترعات التي توفر الجهد وتدر الدخل الجيد للجميع.
وتدهشك الاختراعات التكنولوجية التي توصل لها جيل الشبان التنزانيين المخترعين والمذهلة في بساطتها ونفعها، فمن دواليب الهواء التي تشغل آلات غسل الثياب إلى زيت المطبعة المستخلص من الأفوكادو الفاسد، إلى عربة الإسمنت التي تحولت لموزع للسماد، هناك ما يزيد على الـ100 اختراع خرجت من مخيلة الـ800 مخترع الذين تخرجوا من تلك الورشات، اختراعات غيرت حياة أصحابها وأضافت لمستوى الحياة في بلد كتنزانيا، جهود رجلين فقط تمكنت من إحداث هذا التغيير، إذاً لا مناص من مسؤوليتنا تجاه البشرية، فلا تقل: «ما الذي يمكن أن يضيفه فرد واحد مثلي؟» لا تستهن بيدك، تأكد أن يداً واحدة قادرة على هز الأرض.
نقلا عن الرياض