اشار الزميل الأستاذ الدكتور سعد البازعي في عدد من التغريدات على حسابه في تويتر إلى قضية التعليم في الجامعات، وتضمنت وجهة نظره نقدا للتعليم المغلق أو التعليم عن بعد. والبازعي أكاديمي بارز عرف قضايا التعليم ومناهجه والطرق النافعة ومارس التعليم الجامعي سنوات كثيرة، ورأى ما أصاب التعليم من اعوجاج وتكلف أضر بالعملية العلمية.
وأبدى البازعي استغرابه من جمود الجامعات الحكومية على ما كانت عليه من وضع غير علمي أجبرتها عليه الظروف التي مرت بها الحياة الاجتماعية في الفترة الماضية، وعندما خفت سطوة تلك الظروف عاد المجتمع إلى طبيعته بما في ذلك الجامعات الأهلية، حيث عادت إلى التدريس بالطرق المعروفة التي كانت عليها قبل الحصر الثقافي الذي فرض على المجتمع، بينما بقيت الجامعات الحكومية على حالها الذي أجبرتها الظروف عليه ولم تعد إلى ممارسة التعليم الأكاديمي الذي كانت عليه من قبل.
وكأنها ألفت ما ليس من طبيعة منهجها ولا يخدم وظيفتها التعليمية، ونقصد بذلك العودة إلى التعليم المباشر الذي كانت الجامعات تعمل به، ومنها جامعة الملك سعود، فقد كانت الدراسات العليا فيها تقدم مباشرة للجنسين دون حواجز ولا فاصل بين الأستاذ وطلابه، وحين اشتد ساعد الصحوة قبل سنوات انصاعت الجامعة إلى الأخذ بالتعليم عن بعد وهي صورة ممسوخة للتعليم الحقيقي، وكانت نتيجة هذا التعليم غير مرضية، بل كارثية على الطالبات خاصة، إذ تم تدريبهن على غير منهج التعليم الصحيح، كان ذلك اضطرارا مرحليا وقبولا بأنصاف الحلول التي كان لا بد منها.
إن قضية التعليم تنال اهتماما خاصا من كل الناس، ولا غرو في ذلك، فالتعليم هو الهم الأول للحكومات وللشعوب، وتطوير التعليم وعلاج ما يعترض القائمين عليه من صعوبات أمر صحي لكن أخطر مشكلات التعليم وخصوصا التعليم العالي هو الخروج به عن مناهجه المفيدة المعروفة عالميا، وإفراغه من مضمونه وتكييفه ليوافق مصالح أو آراء أو مراعاة تقاليد بعيدة عن فهم الوظيفة الحقيقية للتعليم، بل هي إلى الجهل أقرب منها إلى المعرفة التي تزود الجامعات الطلاب بها.
من المعروف بداهة أن التلقي المباشر هو أساس الاستفادة الكاملة من العملية التعليمية، وهو مهم لترسيخ المعرفة التي يحتاجها الطالب أيا كان الموضوع الذي يدرس. وكانت وسائل التعليم الناجحة هي السماع مباشرة من المعلم ثم القراءة من الكتاب والعرض والتفسير وشرح الآراء والتجارب وإيضاحها أمام أعين الطلاب والتفاعل العلمي بين أطراف العملية التعليمية، وفي لقاء المعلم وطلابه ما تؤشر إليه الحواس بكل تعبيراتها من معان ودلالات في مكان واحد، ولم يعرف ولا يعترف حتى اليوم بشيء يفصل الأستاذ عن طلابه. كانت بدعة الدوائر المغلقة للتعليم أو التلقي عن بعد سببا في تردي مخرجات التعليم، ولا سيما في الدراسات الأكاديمية للبنات التي أساسها تدريب الطلاب على مناهج البحث كي يصل الطلاب إلى الحقيقة التي يبحثون عنها بطرق التعليم الصحيح.
ولأن أنصاف الحلول كانت هي السائدة في فترة التنازع الثقافي الذي مررنا به فقد قبلت الجامعات بأنصاف الحلول ورضيت بأنصاف التعليم وأجبرت على أن تتخلى عن وظيفتها الكاملة (مكره أخاك لا بطل)، والعجيب الذي شكا منه الأستاذ البازعي أن الجامعات الحكومية هي المتضرر الأول من التعليم عن بعد وقد زال المانع الذي كان يمنعها وبقيت في حال الضرورة ورداءة التعليم، ولم تبادر كما بادر غيرها لتستعيد وظيفتها التي تنازلت عنها بغير إرادتها.
المؤسسات التعليمية وعلى رأسها الجامعات هي التي يفترض أن تقود التغيير والتطوير وتسبق المجتمع، وليس تلك التي تغوص في ترسبات الماضي فيسبقها المجتمع ويقودها وراءه بدل أن تكون لها الريادة والسبق والقيادة.