الطرق المروعة للتعبير عن الكراهية أصبحت مصدر قلق دولي، فالكراهية لا تعترف بالزمان والمكان، فهي مسار خطير يعيد البشرية إلى سياسة الانتقام المباشر والسريع من الاختلاف، الكراهية عملية نفسية أبعد بكثير كونها عملية تتجاوز الإنسان بمكوناته العاطفية والنفسية إلى أن يكون وحدة خطيرة في مسار أيديولوجيا مناهضة ومعادية للآخرين، ففي أيديولوجيا الكراهية لا يدان البشر لوحدهم كما الجرائم، فهم يتحولون إلى أدوات، وبذلك تدان مفاهيم كبرى ترتبط بمعتقدات ملايين البشر كما حدث بين الأجناس والأعراق والأديان المختلفة عبر التاريخ.
الكراهية مفهوم معقد ينشأ بطريقة ليس من السهل قياسها وحتى علاجها، ولكن المؤكد أن بذرة الكراهية تنشأ في وسط مظاهر أيديولوجية تعبر عنها بوسائل متعددة ويكون ضحيتها أفراداً لا يمكن تصنيفهم، فممارسة الكراهية ليس لها قانون وليس لها نظام تعليمي يقضي عليها، فقد يمارسها أكثر الأفراد تعلمياً وتجربة، وقد يمارسها وبنفس المستوى أكثر الأفراد تعليماً، إنه من الصعب أن يوجد دليل يمكننا بقراءته واتباعه أن نحيّد الكراهية وننتزعها من الحياة، والأخطر من كل ذلك عندما تعمل الأيديولوجيات على تحويل الكراهية إلى مسار إيماني يشجع بعض الأفراد سلوك الكراهية كطريق للخلاص أو المغفرة.
الحقيقة المؤلمة حول أيديولوجيا الكراهية أن جميع شعوب الأرض يمكنها الاعتقاد والإعلان بأنها ترغب في نشر أيديولوجيا الاحترام، ولكن الحقيقة أنه لن يتمكن الجميع من تنفيذ ذلك على الواقع، لهذا السبب فإن ما يجري في العالم من ممارسات خطيرة يتم التعبير عنها بعمليات كراهية تؤدي إلى قتل العشرات تحت مسار أيديولوجي كما حصل في نيوزيلندا الأسبوع الماضي، والمؤلم أن هذه الحادثة يصعب التأكيد على كونها سوف تكون العملية الأخيرة في ظاهرة تضخم الكراهية في العالم.
بين أيديولوجيا الكراهية وأيديولوجيا الاحترام توجد فكرة المجتمعات والشعوب المحرومة ثقافياً من المنافسة مع الآخرين وفقاً لمعايير التحضر الدولي التي تضع العالم بتراتبية حضارية بين ثقافات متقدمة وثقافات أقل تقدماً، التفاوت الثقافي العالمي بين المجتمعات المتطورة والمجتمعات الأقل تطوراً يجعل المنافسة بين الثقافات على شكل أقطاب تاريخية وثقافية حادة، فالأقوى يرغب في التعبير عن انتصاره إلى آخر نقطة والأضعف يرغب في التعبير عن وجوده إلى آخر نقطة، لذلك أيديولوجيات الكره وأيديولوجيات الاحترام تنشأ بشكل تلقائي في تلك الثقافات.
الاندماج العالمي ثقافياً هو المنعطف الأكثر تأثيراً في تمرير الأسئلة الصعبة عن الأديان والأفكار الكبرى التي تصنع وتحرك البشرية بثقافاتها، على سبيل المثال انتقال الإسلام إلى الثقافات الغربية وانتشار الثقافات الغربية في العالم يرفع أسئلة بارزة ومنها السؤال الأهم الذي يستوجب التفكير العميق والذي يقول: هل يتم تقبل المختلف ثقافياً في المجتمعات العالمية اليوم وفقاً لمعايير أيديولوجية كالدين والعرق والجنس أم وفقاً لمعايير إنسانية كونه إنساناً فقط؟ الإنسان بطبيعته يميل إلى التعبير عن نفسه من خلال انتمائه، وغالباً ما يشكل الدين أهم معايير التعبير كونه انتماء يحقق الحماية القصوى على المستويين الاجتماعي والميتافيزيقي البعيد.
الثقافات بغض النظر عن مصدرها أو قوتها هي الأكثر قدرة على الانتشار في الفضاء العالمي قد تتميز بعض مفاهيمها وأنساقها بالمرونة والتكيف، ولكن هذا المعنى لا ينطبق على الأديان والأيديولوجيات التي تتميز بالصلابة وتمتلك آراء فكرية وعقدية صلبة تجاه الأيديولوجيات الأخرى، وهذا ما يجعلنا نؤمن أن النجاح الذي تحققه الثقافات العالمية من حيث الانتشار هو غير قادر على تغطية العيوب التي تتميز بها الأيديولوجيات الصلبة والمتعصبة، فالعالم يتجه نحو تحدٍ صارم من أجل نشر أيديولوجيا الاحترام.
إن ما يحدث في العالم من خوف متزايد من انتشار ثقافة الكراهية وتضخمها وتحديداً بين الأديان لا يمكن تجاوزه بمجرد الحديث السطحي عن تعزيز ثقافة التسامح، لأن الأديان بطبيعتها تمتلك في عمقها شكلاً من التنافس الأيديولوجي الذي يسهل تحويله وتنفيذه على شكل ثقافة كراهية، ولعل السؤال المهم يقول: هل تنامي أيديولوجيا الكراهية في العالم يتطلب إنشاء منظمة دولية تحت مسار الأمم المتحدة وتلتزم بها جميع الدول من أجل مراقبة وقياس مستويات الكراهية وفتح المجال أمام المسارات الفكرية لمناقشة العمق الحقيقي لتنامي ظواهر الكراهية في العالم؟ العالم اليوم وبلا شك يتجه نحو الاندماج الثقافي ولكن الكثير من المنعطفات قد تحول دون هذا الاندماج ومنها بالتأكيد تلك المنعطفات التي تخص المواقف المتبادلة بين الأيديولوجيات العقدية.
نقلا عن الرياض