الثقوب التي تسهل الاختراق المعادي للنسيج الاجتماعي في أي وطن هي احباطات أهله الاجتماعية، كلما كثرت الاحباطات وتنوعت سهّلت للعدو مهمة الاختراق، أهم الاحباطات الاجتماعية تكون عادة معيشية وأخلاقية وحقوقية. المعيشية والأخلاقية لا تحتاج إلى شرح، لكن الحقوقية تحتاج. إنها تلك الحزمة التي تتجمع من الحق في الوصول الميسر إلى العلاج المناسب عند المرض، والحق في الحصول على العمل عند التخرج، والحق في حصول الأولاد على التعليم المؤهل للمستقبل، والحق في الحصول على السكن بحسب الإمكانات المتوافرة من الأراضي وتناسبها مع عدد السكان، وأخيراً وليس الأقل أهمية الحق في إبداء الرأي الخاص المنضبط من دون الخوف من العقاب.
للأسف لا توجد دولة عربية واحدة خالية من أكثر هذه الثقوب الإحباطية، لكنها ليست أسوأ أوضاعاً من تلك الدول الثلاث المجاورة، إيران وتركيا والكيان المحتل إسرائيل، التي استطاعت اختراق الصفوف العربية بنجاح ملحوظ. القاعدة الذهبية تقول أن المجتمعات المنسجمة مع مكوناتها وحكوماتها يستحيل التأثير المعادي عليها مهما كان الإعلام المعادي لئيماً وشديد الذكاء، السبب هو توافق العقل الفردي مع العقل الجمعي على مصلحة الجميع في الوطن الواحد.
من هذه القاعدة الذهبية نستطيع التأكيد على أن المجتمعات الإيرانية والتركية والإسرائيلية مليئة بالثقوب، أي بالإحباطات الاجتماعية ومن كل الأنواع. الإحباط المعيشي والحقوقي والطائفي والمذهبي والعرقي والفساد الإداري والمالي، هذه كلها واسعة الانتشار في إيران وتنتشر بوتيرة متسارعة في تركيا وكذلك في إسرائيل بعدما كشفت للعالم ثورة الفلاشا الإثيوبيين واقع الحال العنصري هناك.
إذن، لماذا وعلى رغم ذلك استطاعت هذه الدول الثلاث التغلغل في المجتمعات العربية وأصبح لكل واحدة منها طوابير فعالة وكامنة تخدم أجنداتها التخريبية والتوسعية على كامل الرقعة الجغرافية العربية؟ لماذا استطاعت حكومة إيران المذهبية العنصرية بنص دستورها ابتلاع العراق وسورية ولبنان وغزة والتمركز في اليمن؟ لماذا استطاعت تركيا على رغم امتلاء سجونها بالمعارضين الحقوقيين وعلى رغم تاريخها الاستعماري العنصري المتخلف وعلى رغم وضوح النهج الدكتاتوري الحاكم فيها المتعدد الوجوه، لماذا استطاعت التحول إلى ملجأ لآلاف المعارضين العرب وتوجد لها أتباعاً يخدمونها ضد أمن واستقرار بلدانهم الأصلية؟ لماذا استطاعت دولة عنصرية زرعها الاستعمار بطغيان القوة الغاشمة اقناع بعض العرب من أدعياء الثقافة والمطالبة بحقوق الشعوب والسياسيين بأنها دولة ديموقراطية تنشد السلام مع الجيران، بينما وبوضوح ينص دستورها المكتوب على أن «الأغيار» من غير اليهود لا قيمة لهم وأن الإسرائيلي هو فقط يهودي الديانة والآخرون «أغيار» لا حقوق لهم غير العمل من أجل لقمة العيش؟
أظنه من الواضح أن كل التدخلات الابتزازية والتوسعية في المجتمعات العربية، سواءً من دول إقليمية مجاورة أم عظمى غازية، سببها الاستغلال المدروس لإحباطات التخلف التي لا تعالج بفعالية، إضافة إلى الاستغلال الأذكى لواقع الإعلام العربي المطبل بغباء مكشوف. السؤال الذي يجب أن توجهه الحكومات العربية لأنفسها منذ زمن طويل هو: كيف أمكن لدول مجاورة فيها من الثقوب والعيوب والإحباطات ما يتساوى على الأقل مع الموجود في الدول العربية، أن تتسلط على المجتمعات العربية كافة وتتوسع فيها وتوجد العملاء المخلصين مما يمكنها من العبث بالأمن والاستقرار؟
معالجة الاحباطات الاجتماعية بفعالية والاستغلال الإعلامي المضاد بذكاء لكشف عيوب المجتمعات المعادية، ذلك ما يضمن حماية الشعوب لحكوماتها وأوطانها، تلك الحماية التي تمنع أي عدو من التحرش قبل أن يفكر طويلاً في النتائج المحتملة. وفي النهاية من المعروف والمتفق عليه بأن القوتين العظميين أميركا وروسيا لم تستطع كل منهما فرض وجودها وأولويات مصالحها في أي منطقة نفوذ سوى باستغلال ثقوب الإحباطات الحقوقية في تلك المنطقة.
وتبقى الأمنية العسيرة على التحقيق أن تكف الدول العربية أذاها الإعلامي عن بعضها ولا تساعد الأجانب على اختراق المجتمعات العربية.
نقلا عن صحيفة الحياة السعودية