نحن اليوم أمام مجتمع يمارس فيه الشباب الدور الأكبر في ترتيب التركيبات المجتمعية عبر تعاون مع المنظمات المجتمعية والأجهزة المعنية التي يتوجب عليها ترتيب الأنشطة المستهدفة لصالح المجتمع، وهذا التشارك هو ما يخلق حياة مجتمعية بنظام فاعل ومتفاعل يؤدي وظيفة طبيعية لخلق توازن وانسجام مؤكدين في المجتمع.
مجتمعنا اليوم يمر بمرحلة انتقالية طبيعية، بل هي حتمية الحدوث؛ لأن بدائل عدم حدوثها كانت ستكون كارثية، لذلك فإن من خلق التوجهات القائمة اليوم نحو إتاحة الفرصة للمجتمع لتجربة التغيير، إنما يقدم فرصة تاريخية لكي يحقق المجتمع توازنه الطبيعي، فالأمواج البحرية على سبيل المثال لا ترتد إلى البحر إلا عندما تتخلص من حمولتها على الشاطئ لتعود إلى الهدوء والتوازن من جديد، وإذا أردنا قياس ذلك على المجتمع فإن الأمواج المجتمعية اليوم ترتطم بشواطئ التغيير لترمي إليها حمولة عقود من الأفكار والثقافات.
ليس هناك في العالم ثقافة صالحة أو ثقافة فاسدة، لأن الحياة بطبيعتها الثقافية والمجتمعية تصحح الأخطاء وفقاً للتطورات، ولذلك فإن أي عملية تحليل للدوافع الكامنة خلف الفعل الثقافي في مجتمعنا يجب أن تكون حذرة جداً في أن تقول إن ما يحدث هو انقلاب على مرحلة سابقة، ما يحدث في المجتمع هو امتداد طبيعي مطلوب حدوثه، وسنة التغيير في الكون هي من سمح لهذه الظروف التي ساهمت في إحداث التغيير بأن تتجمع وتنطلق في ذات الزمن والمكان.
لا يجب أن ينظر إلى الثقافة مهما كان نوعها وفي أي مجتمع وفق تقييم مؤشر الرضا عنها من عدمه، كل ما هنالك أننا اليوم نختبر سلوكاً مجتمعياً كان متوارياً عن الأنظار، ولم نكن نمارسه من قبل، وهو جزء من ثقافتنا على مر التاريخ، ولذلك فإن تعريف الثقافة في أي مجتمع عالمي هو ذات التعريف لا يتغير، ولكن الذي يتغير تلك الأدوات التي تنتجها الثقافة من معايير وقيم وفنون وأنشطة تعكس المعنى الفعلي لثقافتنا لجعلها مفهومة ومتداولة.
لندخل إلى مناقشة فعلية لما يحدث في المجتمع اليوم من حيث التحول من مرحلة إلى مرحلة، أعتقد أن مرحلة الصحوة كما نتعارف على تسميتها كون مصطلح الصحوة هو المفهوم الأكثر دلالة على الكيفية التي تشكل فيها المجتمع، فالصحوة هي ليست مرحلة دينية جذرية بقدر ما هي ثورة في السلوك والأنشطة ذات الارتباط المباشر وغير المباشر بالدين.
وقد مررنا بهذه المرحلة كما مر بها الكثير من المجتمعات من حولنا، ومع تزايد هذه الأنشطة فقد تنامى الشعور الفردي بعدم الأمان من حيث الأداء الصحيح للسلوك الديني من عدمه، وهنا خلق التطرف وتكاثرت معدلاته على جميع المستويات، وكان أكثر مظاهر التطرف في المجتمع هو خلق سلوك ثقافي يطمح للتحكم في الفرد ويهدف إلى استنساخ فرد من كل فرد، بمعنى دقيق كان المطلوب أن يكون المجتمع نسخة موحدة من حيث السلوك الديني تحديداً.
بعد أربعة عقود من سيطرة مفهوم الصحوة أصبحت الحاجة ماسة إلى تفكيك معايير ذلك السلوك الصحوي، وهذا متطلب مجتمعي أكثر من أي وقت مضى، نحن اليوم في مرحلة ارتطام المجتمع بشواطئ التغيير حيث ترمي الأمواج بما تحمله من مخلفات السلوك الماضي لتعود إلى توازن طبيعي وهذا هو المطلوب فعلياً، حيث يجب أن يمارس المجتمع تنوعه بطريقة متوازنة ومنسجمة لا تصادر مساراً سلوكياً معيناً أو يمارس عليها أي شكل من التنمر، فالمجتمع متاح للجميع.
طبيعة الكم الهائل من الشباب في المجتمع سوف تحاصر تلك الفجوة التي خلقتها الصحوة بين معطيات المجتمع ومكانته العالمية وبين متطلباتها لمحاصرة الفرد وفرض قائمة بالسلوكيات التي يجب أن يمارسها، نعم يجب الاعتراف بأن الصحوة تسببت في إعاقة المشروع التحديثي للمجتمع، وكان المفترض أن نكون قد بلغنا هذه المرحلة منذ عقدين من الزمن.
يجب أن نمارس الواقعية عند تحليلنا كمية الاندفاع من الشباب من الجنسين نحو بوابة التغيير في المجتمع، فلم يحدث في ثقافة عالمية أن ظلت كما هي في أنشطتها دون تغيير، نحن نتغير وعلينا قبول هذه الفرضية من أجل حياة طبيعية ومتوازنة لمجتمعنا الذي نطمح أن يذهب إلى المستقبل دون معوقات.
ما يزيد الأمر صعوبة في فهم تلك التحولات، أنها يتم النظر إليها وفق مفاهيم ضيقة وتحت نظريات الاستهداف والمؤامرة، وهذا خطأ كبير، فالمجتمع بطبيعته السياسية واستقراره المجتمعي يمارس دوره الطبيعي من أجل بناء مكانته في ثقافة عالمية تتسم بالانفتاح على بعضها البعض، وقد ثبت ذلك من خلال تلك الأعداد الهائلة التي تستجيب لمتطلبات الانفتاح الثقافي من تلقاء ذاتها وبرغبتها الطبيعية.
نقلا عن الرياض