سردُ التجارب أمر مهم للسعوديين، خصوصاً في هذا الوقت، لأن كل واحد منا لديه حكايته الخاصة، التي تشبه الآخرين في أشياء وتفترق عنهم في مفاصل عدة.

كانت دروب السنوات الجامعية "وعرة"، لم تكن رغم جمالها بالهينة، أكاديمياً، وفكرياً، واجتماعياً، وحتى على مستوى تكوين الرؤية الذاتية للحياة والمستقبل، أو الرأي السياسي الخاص، خصوصاً أننا كنا حينها في سنوات الشباب، والحماسة، والروح المتقدة نحو التغيير، أي تغيير كان، دون أن نلتفت أحياناً للعواقب، وإذا ما كان الاتجاه صحيحاً أم يشوبه خلل!

أعود لـ"الحافلة الجامعية"، حيث كنا نتناقش فيها فيما بيننا حول ماذا نريد؟ وكيف نغير نمط التدين السائد، نحو آخر أكثر حيوية، وحركية، وملاصقة للعصر؟ كنا في تفكيرنا هذا، مدفوعين لا شعورياً بنزعة "حماية للذات"، وكان ذلك نوع من ردة الفعل الوقائية المضادة، نتيجة ما يعتري الذات من مخاوف أو تتعرض له من هجوم.

هذا الدفع باتجاه "تدين ثوري" لدى البعض وليس الجميع بطبيعة الحال، جعل السلوك الديني يتحول من علاقة عمودية مع الله، أو علاقات حسنة مع المجتمع، أو أعمال خير وتطوع، إلى تدين موجه، سقط دون أن نعي في فخ "الإسلام السياسي"، وأيضاً في الوقت الذي كنا نعتقد أننا نقترب من روح العصر، كنا في الحقيقة نبتعد عن كثير من المفاهيم المدنية الحديثة.

صحيح أننا كنا أكثر انفتاحاً من المتدينين التقليديين، فلم نكن نحرم الموسيقى أو الرسم أو النحت، وكنا نشاهد الأفلام ونستمع للمواويل العراقية، لكن كل شيء كان ضمن إطار محدد، لم يكسره، ولم يخرج من هذه المساحة إلا من اختار الخروج بنفسه، أو اكسبته التجارب نضجاً جعلته لا يكون حبيس العقل الجمعي.

كانت تيارات "الإسلام السياسي" و"الصحوة" هي المسيطرة على الشارع بشكل واسع، ولذا، كان طبيعياً جداً أن يتأثر بها الشباب، كانت الدروب شبه موصدة تجاه الخيارات المدنية الأخرى، لأنها بالأساس كانت محدودة أو غائبة أحياناً، أو مدجنة لصالح تيار معين، اختطف المشهد بأكمله، وأذعن له كثيرون، إما اعتقاداً أو تسليماً بالأمر الواقع، أو عدم رغبة في المواجهة ودفع ثمن باهظ.

السبلُ تفرقت برفاق الجامعة "المسيسين"، بين من ذهب نحو تجارب جعلته يتورط في أعمال عنف، أو من تعرض للإيقاف والسجن بسبب حيازة السلاح والتدرب عليه، أو من بقي حبيس نظرته المذهبية والمناطقية الضيقة؛ إلا أن هذا جزء يسير من المشهد، فهنالك قصص نجاح كبيرة لشباب برع في الشعر والرواية والفلسفة والطب والهندسة وسواها من التخصصات الأكاديمية والفنون، وهم الآن يمارسون حياتهم بشكل حر، ويساهمون بشكل فاعل في عملية التغيير والإصلاح التي يعيشها المجتمع السعودي.