أسوأ الحروب تلك التي تقوم لأسباب دينية ومذهبية، فهذه الحروب لا تنتهي بسهولة، بل تستمر سنوات طويلة. وقد أدركت المملكة ذلك مبكراً ومنذ عهد موحدها الملك عبدالعزيز رحمه الله، وأصبحت عنصر سلام واستقرار في المنطقة، فكم جمعت من الأقطاب المتحاربة، ومن مختلف التوجهات للجلوس على طاولة المفاوضات في مكة المكرمة وفي الطائف وغيرها من مدن المملكة من أجل السلام وحل الخلافات بالتفاهم وتقريب وجهات النظر.
قبل أسبوعين تقدمت المملكة بمشروع قرار إلى الأمم المتحدة وتم تبنيه يعزز ثقافة السلام والتسامح لحماية المواقع الدينية وإدانة كل أعمال العنف، ويرفض التعصب والتمييز القائم على أساس الدين والمعتقد. والمصادقة على هذا المشروع يعد انتصاراً كبيراً للدبلوماسية السعودية وقوتها الناعمة.
وليس هذا المشروع سوى واحد ضمن جهود كثيرة تبنتها المملكة من أجل السلام ونشر الفكر الوسطي، ومنها ما صدر من مكة المكرمة في شهر مايو من عام 2019 في وثيقة صدرت عن رابطة العالم الإسلامي واعتمدها 1200 عالم ومفكر من مختلف المذاهب في العالم الإسلامي بعد اجتماعهم في مكة المكرمة، حيث تم التأكيد على أن التنوع الديني والثقافي في المجتمعات لا يبرر الصراعات والحروب، بل يجب أن يكون شراكة حضارية وجسراً للحوار والتفاهم والتعاون لما فيه مصلحة الجميع.
وفي وثيقة مكة المكرمة توضيح أن أصل الأديان السماوية واحد وهو الإيمان بالله وحده. ولا يجوز الربط بين الدين والممارسات الخاطئة حتى وإن انتسب الغلاة والحاقدون لدين معين، فهم ينطلقون من فكر ضيق وقصر نظر وبرمجة خاطئة وامتثال لما يؤمرون به دون محاولة نقده أو الخروج عنه، أو مصالح شخصية وحزبية اتخذت من الدين سلماً للوصول إلى السلطة. فالدين يدعو للوسطية وحب الإنسان والرحمة به، وحين توصي الأديان السماوية الثلاثة بالعناية بالجار وحبه فهي لم تفرق بين جار وجار على أساس عرقي أو ديني، بل كل جارٍ بمفهومه الشامل، ويعني حق الجوار سواء بين الأفراد أو بين الدول حتى يعيش العالم بسلام وتعاون وازدهار.
وحين يسعى الغلاة والمؤدلجون لجعل الدين حجة لبث العداوة والبغضاء بين الشعوب، فإن المملكة تسعى جاهدة ومن خلال قادتها وجهود مندوبيها لدى منظمة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات إلى بث روح المحبة والوئام والقبول بين الشعوب، وجعل الدين جسراً يربط بين البشر لا سوراً يفصل بينها
الفهم الصحيح لعلاقة الإنسان بأخيه تجلت في وثيقة مكة المكرمة وما حوته من بنود استمدت مكوناتها من وثيقة المدينة المنورة التي عقدها الرسول صلى الله عليه وسلم وتؤكد على وحدة البشر، وأن الاختلاف في العقائد والأديان والمذاهب سنّة كونية. وتدعو وثيقة مكة المكرمة إلى الحوار الحضاري وبراءة الأديان والمذاهب من مجازفات معتنقيها ومدعيها. وأن ظاهرة الإسلاموفوبيا هي نتيجة عدم المعرفة الصحيحة بحقيقة الإسلام.
ومن أهم ما تضمنته الوثيقة عدم التدخل في شؤون الدول، ونبذ أساليب الهيمنة السياسية بمطامعها الاقتصادية وغيرها.
مشروع قرار المملكة السالف الذكر والمقدم لمنظمة الأمم المتحدة ووثيقة مكة المكرمة يجب أن تضمن في المناهج الدراسية لدول العالم الإسلامي، وفي مناهج الثقافة الإسلامية في الجامعات ليتشبع بها الطلبة، وتحل بنودها محل بعض ما في المناهج من سوء فهم للولاء والبراء مما قد يوظف للمنهج الخفي.
القوة الناعمة التي تقودها المملكة على مستوى العالمين العربي والإسلامي وعلى مستوى العالم بصفتها واحدة من الدول العشرين الغنية تؤثر كثيراً في تحسين الأجواء وتفنيد ما ينشر عن الدين من مغالطات، ولعلماء المملكة وجامعاتها دور كبير تضطلع به خصوصاً أن جامعاتها تستقبل آلاف الطلبة من مختلف الدول الإسلامية ممن يتبوؤن لاحقاً مناصب مهمة في بلداهم، مما يحتم أن تكون الرسالة واضحة ومساندة لدور منظمة العالم الإسلامي ورئيسها معالي الدكتور محمد العيسى وما يقوم به من جهود على مستوى العالم.
المملكة بلد خير وسلام ومحبة، منذ توحيدها على يد المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها بإذن الله.
نقلا عن الرياض