من دون تسمية لمنطقة بعينها، لا زال البعض غارقا في سبات التاريخ القبلي )الصراعات والتناحر( البعيد عن الجانب المشرق من فضائل القبائل المحمودة، فالتفاخر في الحقبة الزمنية التي كان يسودها شريعة الغاب، لا يولد سوى الضغينة التي تزرع في نفوس الصغار وتكبر معهم، وقد يصح تسميتها بالتاريخ الغوغائي الدامي
قبل أن تتوحد القبائل تحت راية الدولة والتي أرست ركائز الاستقرار ونشرت العدل بين كل الاطياف.
وفي مثل هدا التجانس تنهض الامم وتدوم؛ فالغاية )إعلاء شأن الوطن( وأن نردد نشيد الوطن وليس )شيلات( القبيلة على حساب الحط من القبائل الاخرى، وهنا ينشئ شعور الانتماء الوطني، ويكون للقانون المنظم للحياة رهبة وهيبة.
فكرة خلع رداء التعصب القبلي تتمثل في بعض الصفات العدوانية المغروسة في أجيال فانية )وبقاياها الحاضرة(.. فالامر يستلزم عملا مكثفا من الدراسات، وعقد ورش العمل بإعلام وطني موّجه ضد كل ما يتعارض مع )راية الوطن(؛ استئصال ورم قد يرهق جسد الوطن.
وقد نستخلص من تلك الخطوات الجادة خارطة طريق تأخذنا إلى جيل واع خال من الشوائب والاعتقادات التي ينتج عنها الشقاق!
وقد تؤثر على مستقبل الكثير تحت سياق )الروح القبلية( كروح التجمعات المهنية المتعارف عليها في مجالات عدة كالطب والمحاماة والصحافة وغيرها القائم على دعم من يحمل نفس التخصص أو )اسم القبيلة( دعما مطلقا في السراء والضراء من دون النظر في المتضررين من هذه الروح على الجانب الاخر الذي قد يطلق عليه الخصم!
ولو أنه أحيانا نجد بعضا من الايجابيات في الفكر القبلي مثل صلة الارحام، ومساعدة المحتاجين، داخل القبيلة دون مساس بلواء الوطن.
والمخرجات التعليمية لدينا البد من إعادة النظر في بعضها وإيجاد الاجوبة للعديد من الاسئلة المتكررة.. هل التعليم يهذب النفوس؟ هل نحن بحاجة لمزيد من المناهج الوطنية على غرار المناهج الدينية والعلمية؛ فلا تعارض بين هذه المناهج بلا شك.
الا نريد شخصيات عدوانية تنمو في مدارسنا وتخرج للساحة العملية مستقبال حاملة فكرا لا يعترف بالتجانس في المجتمع الواحد، نريد تطوير من يوصل المعلومات في المنظومة التربوية، تطويرا في مهاراته وأسلوب خطابه، والا بد من رفع قيمة التعليم التربوي بالتزامن مع الاهتمام الملحوظ في المناهج العلمية. ولابد من زرع الانتماء الوطني بالجيل الحالي إن استطعنا، والقادم إجبارا، وجعله مقدما على ما دونه من انتماءات أخرى سواء طائفية أو قبلية أو فكرية، وسقيه بالمحبة وروح الصفح والمغفرة عن من ظلمنا، وإلقاء ذلك الرداء الاسود الداعي للتشاحن والفرقة بعيدا، وجعله من ذكرياتنا الماضية.
نحن هنا لا ندعو للتخلي عن مرجعيتنا القبلية، فهي بالاول والاخر انتماء لنا ومدعاة للفخر في مواضع كثر لما فعلة أجدادنا السابقون من أفعال تلزمنا بلافتخار بها من نشر للدين في القرون الماضية ومن أفعال تدل على صفات الكرم والشهامة الذي عرفوا به، دون النظر أو الرجوع لبعض التصرفات والحوادث التي تحرك روح )الانا( أو تحرك المياه الراكدة من سرد قصص ورد بها التشاحن والبغيضة بين أطراف من قبائل مختلفة لظروف خاصة أحيطوا بها في ذلك الوقت كرها وليس طوعا، والدعوة للعودة للاخذ بالثأر إن لزم الامر ولو كان ذلك بالاخذ والرد بالالفاظ المرفوضة دينا وعقالا وأدبا بين المتسامرين في سرد تلك القصص.
إن هيبة القانون في دول العالم الاول وبعض الدول النامية في العالم الثالث ألامر يلزمنا بالاخذ بكل ما يسهل ويساعد ترسيخ تلك الهيبة في مجتمعنا لما في ذلك من إيجابيات عدة من أهمها التهميش المتصاعد مع الوقت للعنجهية القبلية والمرجعية وأثر ذلك سيكون جليا على مجتمعنا في كافة نواحيه الثقافية والتعلمية بل والنفسية أيضا.
نقلا عن صحيفة مكة