خالل زيارتي الأخيرة للقاهرة لحضور منتدى الحوكمة الذي نظمه مركز المحامي النشط ماجد قاروب بالتعاون مع جامعة بانثيون السوربون في باريس، ومركز
بحوث الشرق الأوسط وجهات أخرى.. سرني لقاء العديد من أعضاء السلك القضائي والنيابي والجنائي في جمهورية مصر العربية، وسعدت بالتعرف إلى قاضيات
ونواب محاكم في محكمة الجنايات ومحكمة المرأة، وأهدي إلي كتاب قيم من القاضية الموقرة دعاء حسين الحداد عنوانه »الحماية الجنائية للمرأة«، وخالل
جلسات المنتدى، التي تناولت موضوعات مثل الحوكمة في قطاعات اإلعالم والثقافة، الرياضة والترفيه، والقضاء والخدمات القانونية، تصفحت فهرس الكتاب
والمحتوى؛ فالحظت عدة عناوين مثيرة لالهتمام، تناقش قضايا مقدسة، وترمي أحجارا في مستنقعات راكدة.
وقبل أي ديباجة.. ال بد من االعتراف بأن الثقافة الجمعية العربية ال زالت تعتبر المرأة الحلقة األضعف التي تنوء بالحمل األكبر في علة خراب مؤسسة األسرة، بينما
الرجل هو المتصرف في شؤونها، ولذات األسباب الفكرية.. مضافا إليها النظرة االستعالئية الذكورية تجاه المرأة في المنطقة العربية بشكل يلغي فردانية المرأة
ويقلص من حقوقها، ال بد من تناول الصورة الذهنية التي تشكلت عن المرأة في العالم العربي.. الصورة االعتبارية التي ما زالت تتغير وتتطور باعتبار أن القوانين
والتشريعات المستجدة تلعب دورا هاما في تغيير الصورة النمطية التي تقيم مدى اقتراب القوانين أو ابتعادها عن تناول أوضاع المرأة، وما يحول دون أداء دورها
الفعال في الحفاظ على كينونة األسرة.
ولكي أركز أكثر.. أخبركم أن يدي توقفت على جزء في الكتاب يفصل في شأن نشوز الزوج، لم أكن أدري أن لألزواج أحكاما للنشوز في شريعتنا الغراء!؟ فكل ما نسمع
عنه ويفصل فيه الفقهاء أكثر هو نشوز الزوجة، ما يقصد بالنشوز هنا كل ما يتعلق بسلوكيات الزوج مثل: التسلط، العنف النفسي، وعدم التواصل الفعال، النشوز الذي
يؤثر سلبا على الحياة الزوجية فيزيد من التوتر، لتنهار العالقة بين الشريكين. نشوز الرجل عالمة من عالمات الكراهة، والزوج الناشز هو الذي يمنع عن زوجته
حقوقها الشرعية أو يعتدي عليها. والنشوز في اللغة العربية يعني االرتفاع واالستعصاء والترفع، ويستحق الزوج وصف »النشوز« إذا تعدى على زوجته بالأيذاء أو
الشتم أو الضرب أو سلوكيات سوء العشرة، أو لعنها أو ازدرى أهلها، أو ترك المنزل وعاد ليال للمبيت فيه، ويعد بذلك آثما ومستحقا للعقوبة.
إذا نشز الزوج فإن الآلية الوحيدة التي تتكلم عن ذلك هي آية الصلح: }إن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فال جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح
خير{ النساء ،12 قالت عائشة رضي اهلل عنها: نزلت في المرأة تكون عند الرجل، فلعله أال يستكثر منها، وتكون لها صحبة وولد، فتكره أن يفارقها، فتقول له: أنت في
حل من شأني« متفق عليه. يؤكد هذا الفهم حديث النبي صلى اهلل عليه وسلم في حجة الوداع، »أال واستوصوا بالنساء خيرا، فإنما هن عندكم عوان ليس تملكون
منهن شيئا غير ذلك، إال أن يأتين بفاحشة مبينة،.. فإن أطعنكم فال تبغوا عليهن سبيال، إن لكم من نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فال
يوطئن فرشكم من تكرهون، وال يأذن في بيوتكم لمن تكرهون..« رواه الترمذي.
إذا نشز الزوج يطبق الصلح.. حتى رغم كونه غير قائم بحقها وظالما لها، بينما ال يوجد تسويغ للزوجة بتأديب زوجها الناشز، عند تعرض الزوجة للخطر واإليذاء، سوى
اللجوء للقضاء، ثم يكون تأديب الزوج الناشز بحكم القاضي أو القاضية ومعرفتهما.
ويمكن القول إن نشوز الرجل أخطر وأشد على حياة األسرة من نشوز المرأة، وللقانون دور هام في تفادي ذلك، منها تشجيع وسرعة إنفاذ القوانين العادلة لحماية
حقوق الطرفين. وحسب القوانين الجديدة في المملكة العربية السعودية، فإن الخدمات االلكترونية في وزارة العدل تتيح رفع قضية طالق الكترونية، لكن تصنيف
الدعوى ال يحتوي على النشوز، وذلك لعدم وجود هذه التسمية فيها، فهل يمكن للزوجة أن ترفع دعوى فسخ عقد نكاح بعوض.. وأن تذكر في سياق الدعوى مع
الشواهد.. تفريط الزوج في حقوقها وأن زوجها هو الناشز؟!
الخلاصة أني ال أتكلم عن نشوز المرأة؛ ففيه تفصيل كثير، ما أسلط الضوء عليه في مقالي هو حالات نشوز الزوج وإعراضه وإن ندرت، الحالات التي تتطلب توفير
التثقيف القانوني للشريكين، وتلقي المساعدة الضرورية من خالل استشاريين مختصين في الدعم النفسي والقانوني قبل الوصول إلى مرحلة التقاضي؛ فهل توفر
وزارة العدل ذلك؟
ربما يكون الحل بداية من »داخل مؤسسة األسرة ذاتها.. حينما يبدأ كل شريك باحترام فردانيته ونبذ فرديته«، حين يحترم الزوج دوره في القوامة، ويقدر
مسؤولياته نحو صناعة أسرة سعيدة ممتدة، مجتمع تكون األسرة هي نواته الصلبة، »منه تنطلق السياسات والقوانين والشرائع وإليه تسخر«.. مجتمع ال تكون فيه
الثقافة صدى انعكاسي لألعراف القديمة والسياق االجتماعي المضاد، بل تثقيف قانوني حقيقي للمجتمع العربي يستند إلى الشرع الحنيف، تثقيف ال يلتزم الصمت
نحو هذه الحاالت كونها شاذة، وال يمارس العويل على أسباب زيادة معدالت الطالق دون معالجة األسباب الجوهرية، بل هو تطوير لألحكام النافذة تماشيا مع فقه
الواقع، والتطبيق على الجميع دون استثناء.
الشكر موصول للمنتدى وللقاضية دعاء الحداد على اإلضاءة المعرفية.
نقلا عن مكة