علم الاجتماع دقيق جداً في تحديد إطار المصطلح، واللغة كذلك دقيقة في تحديد دلالة الكلمة، وأنا بين هذين العشقين، ومن بينهما أود أن ننطلق في الحديث عن عنوان المقال، وقبلها أود أن أذكر قصة حدثت عندما اجتمعنا في مناسبة عامة ضمت مجموعة ممن كنت أراهم نخبة مثقفة وأنا حينها في بداية العشرين من عمري ولم أحصل على درجة البكالوريوس بعد، وعندما بدأنا في تنفيذ فكرة أحدنا بإقامة مسابقة بين فريقين اُخترت لأكون قائد أحدهما، وبدأت باختيار فريقي ممن كنت أظنهم نخبة مثقفة، ومعهم اثنان في نفس عمري وربما نفس المستوى المعرفي.

فاز فريقنا بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل الاثنين الذين ليسوا من النخبة المثقفة على الفريق الذي كان كل أعضائه من النخبة!

ومن بعد هذا الانتصار وأنا أسأل نفسي هل هؤلاء هم النخبة المثقفة الحقيقية التي لم تستطع الإجابة عن أسئلة تبدو بسيطة في الغالب؟ وبمرور الأيام زادت قناعتي أن النخبة ليسوا دائماً هم النخبة، وبعد مزيد من الدراسة والاطلاع عرفت أن مفهوم النخبة المثقفة ليس كما نظنه، وأن الثقافة ليست هي المعلومة أو أن تعرف شيئاً عن كل شيء، وأن الموضوع مختلف.

يوم بدأ فيه ذوبان قالب سكر النخبة المثقفة في كأس مسابقة ثقافية، ويوم بدأت معه في البحث عن حقيقة النخبة ومن هم وكيف يتشكلون، وما دورهم في الحراك الثقافي؟

سؤال امتد معي حتى بعد تخصصي في علم الاجتماع، وبعد حصولي على الدكتوراه ضمني السؤال لأكون تحت استيضاحه الذي يقول: هل أصبحت من النخبة المثقفة بمجرد حصولي على هذه الدرجة؟!

النخبة المثقفة مجموعة تقود المشهد الثقافي أو هكذا كنت أظن، ولكني أخشى أن الإجابة التي تؤرق الدارس لعلم الاجتماع، والباحث في علم الاجتماع الثقافي على وجه الخصوص تحيل إلى إجابات لا تتفق مع دقة وصرامة الباحث في علم الاجتماع، ولذلك فإن الباب المعرفي مفتوح على مصراعيه لإعادة تفسير المعاني والدلالات والمصطلحات في ظل حراك يشارك فيه الجميع، وفي ظل واقع يقول إننا مجتمع مثقف وأن مفهوم النخبة مفهوم يمارس سطوة قوة المصطلح واللغة ليحصره في فئة معينة كانت تتسيد المشهد، وأخشى القول إنها كانت تمارس الإقصاء مما أوجد ورسخ فكرة النخبة، والتي بدأت تتوارى خلف الغياب عن المشهد الثقافي، في ظل منظور أرجو أن لا يكون استعلائياً، ويعود بنا إلى فكرة رومانسية المشهد ونخبوية المقام وبروجه العاجية!

نقلا عن الرياض