ليس هناك مكان في الكرة الأرضية يشهد القرارات وضدها، القرارات ونقيضها مثلما يشهده ويشهد عليه البيت الأبيض. فكل قرار يتخذه الرئيس الديموقراطي، يأتي عليه أربع سنوات أو ثمان «عجاف» من الزمن الجمهوري، بعد أربع أو ثمان «سمان» من الزمن الديموقراطي، وتستمر هكذا دوامة القرار ونقيضه كل فترة جمهورية، بعد كل فترة ديموقراطية.
الجمهوريون يخالفون الديموقراطيين في برامجهم الاجتماعية والاقتصادية الداخلية والسياسية الخارجية وحتى العسكرية والأمنية. شيء واحد تتفق عليه النخب السياسية من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، وتلتقي حوله هو احتقارها للإنسان وازدراؤها للإنسانية، خاصة عندما يكون هذا الإنسان من خارج دائرة العرق الأبيض، ومن خارج دائرة المصالح والعقيدة الرأسمالية الصهيونيةوتبلغ الكراهية والعداء الأمريكي للآخر مداهما عندما يكون الآخر نداً حضارياً تاريخياً ودينياً كما هو الحال مع العرب والمسلمين؛ لما يمثله العرب والمسلمون من رمزية تاريخية حضارية يختزلها الوعي واللاوعي لدى المستعمر الغربي والأمريكي، أو منافساً اقتصاديّاً وتجاريّاً كما هو الحال مع الصين، أو منافساً عسكريّاً كما هو الحال مع روسيا.
هذا الكره والعداء الغربي للعرب والمسلمين ليس له حدود، وقد جسّدته الحرب الأمريكية-الإسرائيلية على غزة، حيث كانت هذه الحرب مختبراً واختباراً لكل السرديات الغربية الجميلة التي نسجها الإعلام والقوة الناعمة والدبلوماسية الغربية عن قيم الغرب، حين تهاوت وتساقطت تلك السرديات بحصونها وقلاعها المنمّقة بالديموقراطية والمُزخرفة بحقوق الإنسان والمموجة بمكياج الحرية أمام هول القبح والهمجية والحقد والعداء الذي تشترك به عصابات الاحتلال في فلسطين ومنصة عواصم الاستعمار.
رغم التضاد والتنافر بين الجمهوريين والديموقراطيين، ورغم الضغينة والحقد الشخصي المتبادل بين الرئيسين بايدن وترمب، برز التكامل بين سياسة الديموقراطيين والجمهوريين، وتناغمت قراراتهم إلى حد التطابق في وقوفهم غير الأخلاقي وغير القانوني في الحرب الأمريكية-الإسرائيلية على غزة، بجانب تدفق الأسلحة الأمريكية المحرمة للكيان واستخدامها ضد أطفال غزة والشعب الفلسطيني في القدس والضفة الغربية وفي مناطق عربية مختلفة، وهذا كله ينسجم مع ما قامت به الإدارة الديموقراطية السابقة من إبادة جماعية للشعب الفلسطيني وتجويع وتدمير للمشافي وسياسة استهداف المسعفين والطواقم الطبية والصحفيين ومنظمة الأونروا، وتهديد الجناية الدولية، واستخدام الفيتو الأمريكي ضد كل القرارات التي حاول مجلس الأمن اتخاذها لوقف حرب الإبادة الأمريكية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني. حتى جاءت الإدارة الأمريكية الجمهورية الجديدة، التي نسفت كل قرارات الإدارة السابقة كالعادة، ماعدا الاستمرار بدعم الكيان الغاصب واستهداف الشعب الفلسطيني بأساليب خارج الصندوق كما يحلو للرئيس ترمب وصفه وهو يتحدث عن تهجير الفلسطينيين قسريّاً وتطهيرهم عرقيّاً، بل وتوسيع المشروع الاستعماري ليشمل الدول العربية المجاورة لفلسطين
لم يتعرض فكرة ومشروع الدولة الفلسطينية
لقد حان الوقت لتبني وتأهيل إستراتيجية الأمن القومي العربي، وإستراتيجية الدفاع العربي المشترك، وعدم انتظار نتنياهو والبيت الأبيض يمضيان في تدمير دولنا العربية وشعوبها واحدة بعد أخرى بانتظار الرحمة والإنسانية الأمريكية. فلا يزال الوقت بيدنا كدول عربية وإسلامية وصديقة، لتشكيل تحالف رادع للإمبريالية الغربية والاستعمار القديم المتجدد، وهذا ما تؤكده ردّات الفعل العربية الشجاعة ضد تصريحات ثنائي الإبادة والتهجير الأمريكي - الإسرائيلي ضد مصر والأردن والسعودية.
على العرب والمسلمين والأفارقة أن يدركوا أن الكيان الغاصب في فلسطين هو الحبل السري الاستعماري القديم المتجدد للمنطقة العربية وأفريقيا، وقد حان وقت اقتلاعه تماماً، لأن هذا الكيان غير قابل للتأهيل البشري والأخلاقي وغير قابل للتعايش مع أي مجموعة بشرية طبيعية ولا بد من كنسه تماماً خارج المنطقة العربية، ولا يمكن أن يفهم هؤلاء إلا لغة الحرب استناداً للراعي والشريك الأمريكي والبريطاني والفرنسي وبقية المستعمرين الأوروبيين.