في العالم الثالث الإسلامي بالذات , ربما تزول مدن من الوجود , تنتهي وتختفي بقطرة مطر أو فيضان , وربما يشرد شعب أو سكان مدن , لكن يبقى المسئول عن كل ذا شامخاً على كرسيه , ميزة المسئولين في العالم الثالث أنهم ابقى من الدهر , عضوا على المناصب بالنواجذ , ليس بسبب قوتهم وذكائهم , بل لضعف وهوان الناس عليهم , الناس هانت عليهم كرامتهم وحقوقهم , فصارت عند المسئول اهون .
كلما غرقت جدة , انتظرنا , أن يقال أو يستقيل مسئول , أو يحاسب ويعاقب مسؤولون اصحاب قرارات تنمية جدة وتخطيطها , لكن يمر الغرق تلو الغرق , ويهلك الابرياء , ويظل النافذ في امن من المساءلة , قال احدهم يوم الكارثة امس مخاطباً المطر المنهمر على جدة (قل لهم أيها المطر : إننا نعرفهم تماماً تماماً , فهم من الضخامة بحيث لا تستطيع وسائل الإعلام ولا الضمائر الميتة إخفاءهم , نعرف أصحاب المخططات بسيماهم , الذين احتكروا الأراضي بالكيلوات وأجبروا الناس على السكن ببطون الأودية , بل الذين امتلكوا حتى بطون الأودية وباعوها على الناس , نعرفهم , والله , حق المعرفة , حتى ولو حاولوا إلصاق الخطأ والتهمة بالأصغرين من وكلائهم والأخرين من التجار الذين يعملون لصالحهم والأدنين من سماسرة العقارات وكتاب العدل وقضاة المحاكم , أخبرهم يا مطرنا بأننا سئمنا من توجيه السهام إلى بقية اللئام بينما الهدف أمام أعيننا أوضح من الشمس في رابعة النهار , أخبرهم ايها المطر بأن المسؤول حين يكون فاسداً فإن عليه أن يهضم فساد الآخرين ويبتلعه ويستسيغه مثلما استساغ ابتلاع الأراضي وابتلاع الميزانيات )
قد تزول جدة أو اية مدينة تنهار وتغرق من حبات مطر , وتقام مراكز الإيواء للاجئين والهاربين من كوارث السيول , لكن ينجو الفاعل الحقيقي والسبب الرئيس في موت جدة , كل الميزانيات التي استنزفت في تنمية جدة منذ عشرات السنين , يكشفها مطر ساعة , ساعة من نهار وسحابة امطار , كشفت للعيان , أن المسئولين عن كوارث جدة , يتمتعون بالملايين ويغرق المساكين , لأنهم لاقيمة لهم ولاحصانة لهم , ولافرق بينهم وبين الجماد في نظر هؤلاء المسؤولين
, ليست مهمة التدين الفردي , أن تصلي لله فقط , ولكن أن تدافع عن حقك في حياة كريمة , وقال صاحب المطر السيد صح (أيها المطر العظيم , يا كاشف السوءات , ومفرق اللئام المجتمعين على القصعات , ومزلل راحة وهناء أصحاب المليارات , إنني أرجوك أن تهطل علينا أكثر وأكثر , أرجوك أن تكشف عنا غطاء الخوف , وتجرف عن عقولنا غشاء التبلد , , أيها المطر العظيم , اغسل قلوبنا من صدأ المذلة , ونقِّ ضمائرنا من دنس الانبطاح , وأنبت في صحراء عقولنا الخاوية أعشاب الوعي وأشجار الحرية , أنت بصنيعك العظيم أيها المطر ترغم الأنوف على أن تعترف بنا ولو قليلاً ,وأن تسمع لنا ولو قليلاً , وأن تعترف بوجودنا ولو قليلاً )
في العالم الذي يحتكم للنيّة الطيبة في قلب المسئول ويستسلم للخداع باسم الدين وشعارات الإيمان , يفنى الناس ويبقى المسؤول , تموت الاشجار وتغرق الشوارع وتنهار المباني , وينجو المسؤولون, ولايلوذون بالفرار , لأنهم آمنون من الحساب والعقاب , نلفق الاخطاء باسم الابتلاء , ونضع جرائم اللصوص في سلة القدر , جدة تزول وينجو المسؤول , ويخطب الامام بأن كله تمام , و المشاريع والمباني تنهار , ويكسب اصحاب المليارات , يشرّد المساكين ويرقص اهل الملايين , وتسجل القضية ضد مجهولين , وينعم الكبراء , ويشقى الفقراء والضعفاء , وتحال قضايا الفساد باسم الدين ليوم الدين .!
نقلا عن المدينة