المواطن في بعض دول العالم العربي في حالة احتجاج، والمجتمع العربي في مجمله وغالبية أفراده في حالة احتقان أيضا، وبين الاحتجاج والاحتقان ثمة فكر يحرك هذا المواطن ويحرض هذا المجتمع باتجاه زلزلة الأرض العربية وخلخلة الجغرافيا العربية من أجل بناء واقع جديد وجغرافيا جديدة. وما يحدث من ثورات في بعض دول العالم العربي بفعل المحبطين والمهمشين هو غضب خلاق لكنه غضب يفتقر إلى غياب الرؤية ولأنه كذلك تغيب أشياء كثيرة وسط ضباب هذه الرؤية العائمة والغائمة.
ولأن ثقافة الاحتجاج التي نراها ونسمع عنها ونشاهدها يوميا عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي في حالة اتساع يقتضي قراءة ودراسة لغة ومفردات هذه الثقافة وجذورها ومنابعها ومن ثم وضع حلول لها من أجل مواجهة الأخطاء التي من خلالها يمكن لنا صياغة عالم عربي جديد يتأسس على الحوار. لا شك أن هناك رغبة أكيدة في التغيير، ولكن أي تغيير يريده العرب، إنه التغيير الذي يخلق ثورة في الفكر والمعرفة، هذا هو التغيير الحقيقي الذي سوف يخرج العرب من حالتهم الراهنة والانتقال من سيادة الذهنية العسكرية والايدلوجية والحزب الواحد إلى صياغة دولة القانون ومجتمع العدل والحق والمساواة، تلك الدولة التي تقوم على مؤسسات المجتمع المدني. ما يحتاجه العرب الخروج من دوائر الفكر العشائري والدخول في لحظة العصر واحترام كرامة الإنسان وجعل الحوار والتعددية والإعلاء من قيمة العقل أدبيات تضيء فضاء المجتمع.
لقد جرب العرب كل الثورات والانقلابات العسكرية وآن لهم أن يحققوا ثورة علمية ومعرفية خاصة أن الإنسان العربي يملك إمكانيات كبيرة وجبارة، وبغير ثورة العلم وتأسيس مجتمع المعرفة لن يكون للعرب دور فعال في هذا العالم وسوف يظل العرب خارج التاريخ.
نقلا عن عكاظ