لَستُ مِن فِئة المُتشائمين، بَل مِن قَبيلة المُتفائلين، ولَكن التَّفاؤل لَه شرُوط؛ يَجب أن تَتوفَّر إذَا أردنَا أن نُفعِّل خَاصيّة التَّفاؤل، والتي مِنها التَّفاعُل رَغبةً في التَّكامُل..!
ومِن التَّفاؤل أن نُناقش القضَايا بكُلِّ وضُوح، حتَّى لا يُصدمنا الوَاقِع، ولا تُفجعنا الوقَائع..!
إنَّ المُراقب لمَسيرة المُجتمع؛ يَجد أنَّ فِئةً كَبيرةً مِنه أصبَحت مُحتالة، تَحتال عَلى كُلِّ شَيء، ومِن مَظاهر الاحتيَال؛ أنَّ أحَد العَاملين في نظَام "حَافز" قَال لي: (تَصوَّر يَا "أحمد"، هُناك أكثَر مِن عَشرة آلاف طَلَب لـ"حَافز"، جَاءَت لأسمَاء أُنَاس أموَات مُنذ سِنين)..!
أكثَر مِن ذَلك، إذَا قَدَّمتَ عَلَى قَرضٍ مِن صَندوق التَّنمية العقَاري، قَالوا لَك: (احْضِر لنَا "صَك حيَاة" مِن المَحكمة).. وهَذا الصَّك صَار يُطلب؛ بَعد أن لَاحظ الصَّندوق أنَّ "البَعض" يُقدِّم بأسمَاء أُنَاس شَبعوا مَوتاً..!
حَقًّا، لقَد أصبَح أكثرُنَا يَحتال عَلى الدِّين وبالدِّين، ومِن آخر الاحتيَالات -كَما حَدَّثني أحدُهم- أنَّه كَان إذَا أرَاد أن يَدخل إلى السّوق ليَشتري شَيئاً يخصّه؛ أحْضَر أُمّه مَعه بوَصفها مَحرماً نِسائيًّا، حتَّى يَستطيع الدّخول، كَان هَذا-طَبعاً- قَبل أن يَصدر "قَرار" بالسَّماح للعُزَّاب بدخُول الأسوَاق..!
وإذَا أرَدتُ أن أُسلِّط الضَّوء عَلى احتيَالاتي، فقَد كُنتُ في الصِّغَر "تَاجر حَمَام"، وكُنتُ أسقي الحَمَام مَاءً مُطعماً بالسُّكر، حتَّى إذَا بِعتُ الحَمَام عَاد إليَّ.. وهَذه الحِيلة -طَبعاً- وَرثتها مِن الذين قَبلي..!
لقَد تَناقشتُ مَع أُستاذنا الكَبير الفيلسوف "عبدالرحمن المعمر" في نُقطة الاحتيَال، فأضَاف لِي قَائلاً: (يَا "أحمد" تَصوّر أنَّنا لَم نَكتفِ بالحِيلة، بَل علّمنَاها للحيوَان، فأصبَحنا نُغذِّي النَّحل بالسُّكر، ليَخرج العَسَل مَغشوشاً، وبذَلك نَكون أفسدنَا فِطرة النَّحلة السَّليمة)..!
حَسناً.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: لقَد كُنتُ في طفُولتي، أستَيقظ عَلى صيَاح الدِّيك لصَلاة الفَجر؛ في مَدينة "بريدة" الهَادئة، أمَّا الآن، فبجوَار مَنزل وَالدتي الغَالية "لولوه"؛ دِيكٌ مُحتالٌ تَعلَّم الكَذِب مِن المُجتمع، فأصبَح يُؤذِّن في غَير وَقت الصَّلاة، فأسمَعه وأقوم وأتوضَّأ في عزِّ البَرد، ثُمَّ أكتَشف أنَّه كَان يَمزح مَعي، أو كَما يَقول إخوَتنا في مِصر، "يهزّر مَعايَا"..!!!
نقلا عن المدينة

