إذا كان القاضي يخشى من الملاحقة القضائية أو الاعتقال والمساءلة جرّاء اجتهاده ورأيه في القضية التي بين يديه؛ فماذا يكون حال القضاء عندها؟ لا شك أن القضاء في هذه الحالة سيفقد إحدى أهم ركائز العدالة والنزاهة. وهكذا المحامي وهو يقوم بدور الدفاع عن المتهم، يجب أن يتمتع بنفس الحصانة التي تُعطى للقاضي في نظره أو دفاعه -بالنسبة للمحامي- في القضية.
هذا الموضوع للأسف موجود في أغلب دول العالم خاصة المتحضر -أعني موضوع حصانة المحامي-، بل تجاوز عمر هذا الأمر في بريطانيا مثلا أكثر من مائتي عام، وهو ما يمسى لديهم بـ(The Doctrine of Advocates Immunity)، أي مبدأ حصانة المدافعين، ويدخل ضمنهم المحامون.
مبدأ حصانة القاضي غالبا تنص عليه الدساتير في الدول، والدستور يعني أهم وثيقة قانونية في الدولة، حيث إن حصانة القاضي تعتبر أهم ركيزة من ركائز استقلال القضاء وحريته ونزاهته في نظر المسائل المرفوعة أمامه، والاستقلال هو العمود الفقري للعدالة في أي دولة بلا شك، وإذا فَقَدَ القاضي حصانته واستقلاله فإن العدالة سوف تهتز وتنهار. ولذلك فقد نصّ النظام الأساسي للحكم لدينا في مادته السادسة والأربعين، على أن "القضاء سلطة مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية"، وأكد على هذا المبدأ نظامُ القضاء أيضا.
ولكن فيما يتعلق بالمحامي، لماذا تُعطي أغلب القوانين له الحصانة؟ المحامي -وكذلك القاضي- يكونان ضد نصف المتقاضين حيث يكسب نصفهم القضية ويخسر البقية، وبالتالي إذا فتح الباب لمحاكمة المحامي أو القاضي فإن الجهاز القضائي ككل قد ينهار، فمساءلة المحامي تفتح الباب لمساءلة المحكمة أيضا وهكذا. نعم هناك قضايا خاضعة للجدل والنقاش؛ مثل قضايا الإهمال والتقصير والتعدي، فإن العديد من القوانين تفتح الباب لمساءلة المحامي هنا، ولكن بشروط وأهمها إثبات ذلك الإهمال أو التقصير، ومن خلال عملية مختلفة نوعا ما عن محاكمة الأشخاص الطبيعيين.
وقد نصّ نظام المحاماة الصادر في عام 1422هـ في مادته 13 على أنه "لا تجوز مساءلته -أي المحامي- عما يورده في مرافعته كتابيا أو مشافهة مما يستلزم حق الدفاع". وهذا النص وإن كان غير كافٍ لما يحتاجه المحامي من حقوق إلا أنه واضح في إعطائه نوعا من الحصانة، ولكن وللأسف أن لائحة النظام التنفيذية أضعفت هذا النص بما أضافته، حيث أضافت اللائحة هذا النص: "عدم المساءلة المشار إليها في المادة لا يحول دون رفع الدعوى الخاصة أو العامة". وهذا النص مقبول بشرط أن يتم تقييده بالدعاوى الشخصية غير ما يخص عمله كمحامٍ في القضية المنظورة، أو على الأقل تقييدها بتوفر دليل الإهمال والتقصير أو الجرم المادي. والحقيقة أن عبارة اللائحة غير واضحة وأرى ضرورة تعديلها، وإذا كانت تقصد غير هذين القيدين فإن صحة هذه العبارة قانونا محل اختبار لمعارضتها لصريح النظام بعدم المساءلة!
وإذا بحثنا عن تكييف عمل المحامي في الشريعة الإسلامية؛ فإن أقرب ما يكون هو أنه يقوم بدور الأجير الخاص، وهذا الأجير لا ضمان عليه ويده يد أمانة، إلا بالتعدّي أو التفريط كما يعبر بذلك الفقهاء. فلذلك من الواجب عدم مساءلة المحامي إلا بالتعدي أو التفريط، ويتحمل مهمة إثبات ذلك الخصم، والأصل عدمه، وهذا يتوافق مع الحصانة.
هذا الأمر يقودنا للحديث عن أنه للأسف لا توجد للمحامين جهة فاعلة تدافع عن حقوقهم ومصالحهم حتى الآن، ونسمع عن إحداث هيئة خاصة بالمحامين، ولكن لم نرَ شيئا. فعلى سبيل المثال، ينص نظام المحاماة في م19 على أنه على المحاكم وديوان المظالم واللجان شبه القضائية والدوائر الرسمية وجهات التحقيق "أن تقدّم للمحامي التسهيلات التي يقتضيها القيام بواجبه، وأن تمكنه من الاطلاع على الأوراق وحضور التحقيق، ولا يجوز رفض طلبه دون مسوّغ مشروع". فنلاحظ أن المادة عبّرت بـ"الاطلاع" وليس الحصول! ولكنها أعطت المحامي هذا الحق، ثم أضافت أنه لا يجوز الرفض لطلبه إلا بمسوغ مشروع. ولكن نجد أن اللائحة التي وضعتها وزارة العدل فسرت هذا الاطلاع بشكل سلبي؛ بأنه لا يجوز تمكين المحامي من التصوير أو إعطائه صورة! ولكن لا يُمنع من الكتابة منها! ولا أدري هل هذا يصب في خانة العدالة والسعي والتحرّي لتحقيقها؟
وللأسف أنه كثيرا ما ترفض بعض الجهات الرسمية إطلاع المحامي على الوثائق والمستندات التي يحتاجها ربما حتى لمجرد الكسل، ويحصل هذا كثيرا، وللأسف أنه لا توجد جهة تقف بجانب المحامي إلا استجداء المسؤولين والبحث عن العلاقات الخاصة للحصول على الوثائق التي تخص مصالح الموكّلين التي تتوقف عليها العدالة!
الرسالة هي أن ضعف موقع المحامي الحقوقي يؤدي حتما إلى ضعف موقع العدالة والإنصاف للمواطنين، وإذا أردنا أن نصحح هذا الوضع فإنه من الواجب مراجعة الكثير من الأنظمة التي تخص المحاماة، بالإضافة إلى أهمية إنجاز هيئة خاصة بالمحامين، وتكون مستقلة عن الجهات القضائية أو وزارة العدل، وإلا فإنه قد لا تكون لها فائدة مرجوّة
نقلا عن الوطن السعودية
- اتفاق سعودي قطري لتبادل المعلومات الأمنية
- لبنان يطلق مناقصة لبناء محطة للطاقة الشمسية
- الطلاب يعودون إلى فصولهم بدون هواتف محمولة
- اجتماع عربي لاتيني لدعم حصول فلسطين على العضوية الكاملة بالأمم المتحدة
- في نيوم عبور المسافرين للجوازات سيكون ببصمة الوجه وخلال 10 ثوان
- مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية يدشّن “كرسي اليونسكو لترجمة الثقافات”
- الأمم المتحدة قد تصوت على قرار لإنهاء الوجود الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية
- اكتشاف نوع جديد من السرخسيات ذات القدرة على علاج الزهايمر في جنوب غربي الصين
- رئيس مجلس الدولة الصيني يبدأ اليوم زيارة إلى السعودية والإمارات
- استمطار السحب.. تجارب ناجحة لتعزيز التنمية المستدامة
القضاة والمحامون.. سقف العدالة
Permanent link to this article: https://www.alwakad.net/articles/81232.html