التعليـم هـم لا ينتـهي والحديـث عنه طويـل، وقد كتبت عن هيئة لتقويـم التعليـم العام فور الإعلان عنها، وألمحت إلى الدور الذي ينتظرها، حيث جاءت منسجمة مـع ما توليه قيادتنا الرشيدة للتعليم من رعاية واهتمام وحرصها على بناء جيل قادر على ممارسة دوره في المساهمة في دفـع عجلة التنمية. ولعله مناسب في هذا المقال أن أتطرق إلى العوامل التي ستساعد الهيئة على النجاح وتحقيـق الأهداف المرجوة منها، نظرا لأهميتها وحساسية موضوع الجودة في إعداد وتأهيل كوادر مستقبلية تقود قطار التنمية في هذا الوطن.لقد أصبحت الحاجة ملحة لمثل هذه الهيئة بحيث يمكن الاعتماد عليها في الانتقال بالتعليم العام من الممارسات التربويـة الحالية إلى الممارسات العالمية في هذا المجال لتسهـم في تعديـل وتطويـر النظام التربوي وتزيـد من كفاءته ومن نوعية وجودة مخرجاته، حتى يكون الهدف من التعليم هو الارتقاء بالسلوك والقدرة على إكساب الطالب المعارف والمهارات التي تنعكس على الأداء عند ولوجه لميدان العمل.في التعليم لاتزال هناك الكثير من المشكلات المرتبطـة بالأضلاع الثلاثـة للعملية التعليمية (المنهج والمعلم والطالب) والتي هي لب وجوهر العملية التعليمية، والتي لاتزال دون المؤمل منها، الأمر الذي يؤكد على أهمية هذه الهيئة والمهمة الشاقة التي تنتظرها لتشارك في تحمل العبء التربوي، وتقويمه وتقييمه بجميـع الجزئيات المكونة للنظام التعليمي، وتعيد التعليم أو وتسير بالتعليم إلى جادة الصواب.إن من أهم أبرز عوامل نجاح «هيئة تقويم التعليم العام» هو الاستقلالية الإداريـة والمالية والتبعية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فلا معنى لوجودها وارتباطها بوزارة التربية والتعليم أو كانت إدارة منها، فيجب أن تكون الاستقلالية حقيقـية على صعيد التطبيق لا على صعيد التشريـع، إذ إن التشريـع يكفل هذه الاستقلالية بوضوح بمقتضى قـرار مجلس الوزراء الموقـر. وبالتالي يجب أن تكون مستقلة في قراراتها وفي توجهاتـها ومقيمة لأداء الوزارة نفسها وهو أمر هام ومفصلي لجودة التعليم.فالهيئة لن تؤدي عملها على أكمل وجه إلا إذا خرجت من عباءة وزارة التربية والتعليم ليس إداريا وماليا فحسب، فالاستقلال المكاني أيضا عامل مهـم لنجاحها أي أن وجودها لا يكون ضمن مكاتب الوزارة حتى تستطيـع ممارسة عملها بكل حريـة وتكون الشاهد والخبير والمقيـم؛ لتقديـم أفضل المعلومات في الاعتماد والجودة، مع منحها كافة الصلاحيات لمساءلة جميـع الأطراف بمن فيهـم الوزارة نفسها، ومناقشتهم في برامجهم والنظـر في مناسبتها أو عدمها دون مجاملة.وعلى يقين أن وزارة التربـية والتعليم كما أحسنت اقتراح تأسيس هذه الهيئة، ستحرص على استقلالها التام حتى تؤدي دورها دون حرج ولا ميـل وتساند الوزارة في تقويـم التعليم العام بكل مراحله الدراسية، وحتى تستفيد الوزارة أيضا من تقييم إنتاجها وخططها وبرامجها بما يضمن فتح آفاق جديدة في مسار التعليم العام في بلادنا، والارتقاء بواقـع النظام التعليمي الحالي، والوصول به إلى مستويات عالمية منافسة وحتى تنجح الهيئة في أداء مهامها وتحسين مخرجات التعليم العام فإنه يتوجب عليها أن تعتمد على التوظيف من خارج منظومة الوزارة تماما، وأن تجمـع في تنظيمها الكفاءات التربوية التي لها باع طويـل في المجال التربوي، ناهيك عن عملها في تقويـم وتطويـر جميـع الأجـزاء المكونة للنظام التعليمي ابتداء من إعادة النظر في المناهج الدراسية الحالية وربطها بواقـع الحياة ومتطلباتها، وتقييم المعلمين وطـرق التدريس المتـبـعـة، وتحسين أداء الإدارة المدرسية، وتهيئـة بيئـة تعليمـيـة تتلاءم مـع متطلبات التعلم في القرن الواحد والعشرين بحيث تجتذب المعلم والطالب معا، مع التركيز على زيادة فعالية التقنية في خدمة العملية التعليمية ورفـع مستويات أدائها.كما أن من عوامل نجاحها أن تعمل برؤية مشتركة وتكاملية مـع وزارة التربية والتعليم، ومشروع الملك عبد الله لتطويـر التعليم، وشركة تطويـر التعليم القابضة، والهيئة الوطنية للتقويـم والاعتماد الاكاديمي، والجمعيات العلمية ذات العلاقة. بالإضافة إلى إقامة شراكات مـع هيئات خارجية مماثـلة وبيوت الخبرة العالمية المتخصـصة بضمان الجودة في التعليم..مؤملين أن تكون هيئة تقويـم التعليم هي الانطلاقة الحقيقية لتحسين وتجويد التعليم العام في بلادنا بناء على نتائـج الأداء ومؤشرات النجاح والفشل، ومساهـمتـها في رفـع مستوى التعليم من خلال العمل على معالجة مواطن القصور، لتطويـر العمليـة التعليمـة لتدعـم المملكة بمخـرجات بشريـة تواكب التطور وتساهـم في تحقيـق الرقي والتقدم لهذا الوطن الغالي.. ودمتـم سالمـين.
نقلا عن عكاظ