لو بطّلنا نحلم نموت.. لو عاندنا.. نقدر نفوت
لو عدينا مرة خلاص.. لو ردّينا.. ضاع الخلاص
حبّة صبر.. حبّة حماس.. يبقى الحلم صورة وصوت..
هكذا ينشد الفنان المصري محمد منير، ويتمايل خلفه الملايين من الشباب بطول الوطن العربي وعرضه، وبرغم بساطة النصّ، إلاّ أن المعنى يبقى فلسفيًّا، وشديد العمق، فالحياة في أجمل تجلياتها هي أحلام بسيطة، حملها ذوو الهمم العالية إلى شطآن الحقيقة، وبدونها تموت حتى المعاني، وتذوى أعتى الأمم.
الحلم هو إحدى أهم أدوات صناعة الحضارة، في غيابه يسود القبح، وتهيمن الانهزامية، وفي السياسة -كما في سائر العلوم والفنون- يحتل الحلم مكانة خاصة كمحرك للسلوك السياسي، وكماكينة لإنتاج الدوافع، وإعلاء الهمم، هكذا كانت أهم المخترعات الإنسانية مجرد أحلام راودت مبدعيها، لكنها حرّكت لديهم الهمم، وحفّزت إرادة الفعل، وهكذا كانت أعظم الإمبراطوريات على مر التاريخ، بداياتها مجرد أحلام داعبت خيالات الأباطرة من الإسكندر الأكبر، وحتى نابليون بونابرت.
أهم الأحلام وأعظمها تأثيرًا في مصائر الأمم، تلك التي تولد من رحم الأزمات، حين تتفجر إرادة الأمة بقانون التحدّي والاستجابة، لتجيب عن أسئلة اللحظة، وتطرح على التاريخ إجابات، تصنع المستقبل، وتقرر مصائر الشعوب لعقود طويلة مقبلة.
بعض الشعوب -ونحن منها- لا تتفجّر طاقات الإبداع أو الحلم عندها إلاّ في الأزمات، وفي مخبوء الثقافة العربية، ما يقول: «اشتدي أزمة.. تنفرجي»، وفيه أيضًا: «ضاقت.. فلما استحكمت حلقاتها.. فرجت»، أي أنها لابد أن تضيق، وأن نختنق بضيقها، قبل أن تنفرج، لكن أغلب الناس يظن أنها تنفرج وحدها هكذا.. لمجرد أنها ضاقت، أو لمجرد أن شدّة الضيق وضعت المختنقين به في موضع مَن يستحق الشفقة، لكن الحقيقة أن شدة الضيق، جسّدت بذاتها تحديًا وجوديًّا تستجيب له الأمم بطاقة حركة هائلة تقودها لاحقًا إلى الفرج.. هذا هو ما أسميه «قانون الفرج».
بموجب قانون الفرج هذا، فقد دخلت المنطقة العربية -برمّتها تقريبًا- في حالة الضيق، وعصفت بها الأزمات، وأحدقت بها المخاطر والتهديدات من كل جانب، بعض تلك المخاطر والتهديدات «وجودية» أي تهدد صميم الوجود العربي، وبعضها «عابر»، اعتادت الأمة على زياراته الموسمية لها، واعتادت أيضًا على اجتيازه، سواء بقوة دفع ذاتية مثل «انتفاضة» موقوتة، أو «فزعة» آنية، أو بضربة حظ قدرية، كأن يكون الخطر العابر هذا مهددًا لمصالح طرف قادر تُسخِّره الظروف لمواجهته والتصدي له.
طبيعة الخطر الراهن، الذي يحدق بأمة العرب، تبدو هذه المرة مغايرة، فهو ليس مجرد تهديد خارجي، يستنفر جهاز المناعة العربي لمواجهته، على نحو تقليدي، وإنّما هو تهديد «ملتبس» يتداخل فيه، الخطر الخارجي، مع عوامل ذاتية تكاد تنال من جهاز المناعة العربي ذاته، عبر عملية تحوير للهوية، يلتبس فيها، خطاب ديني وافد عبر الحدود، يهدد اللُّحمة الداخلية للجسد العربي المنهك.
هذا الخطاب الديني الملتبس، بات كحصان طروادة، تسلل إلى ساحة القوم، ثم انشق باطنه عن عناصر خطر وافدة تعصف بالدين والدنيا معًا.
لدينا إذن أزمة مستحكمة، تضيق حلقاتها مع الوقت، ولدينا قانون للفرج ينبغي تفعيله إن أردنا الخلاص.
عناصر الأزمة تشير إلى أن الحل هذه المرة لا يمكن إلاَّ أن يكون ذاتيًّا خالصًا، فالقوى الفاعلة في المشهد الدولي تبدي ميلاً لبناء تفاهمات على حساب المصالح العليا العربية، وفي سياق هذا الحل الذاتي، لا بديل عن دمج عنصري «القوة» وتمثلها مصر، و»القدرة» وتمثلها السعودية، ومعها دول فاعلة بمجلس التعاون الخليجي، من أجل تحسين أداء الجهاز المناعي العربي، وتمكينه من التصدّي لأكثر الهجمات شراسة وعنفًا ضد الأمن القومي العربي بمعناه الضيّق والمباشر.
القلق السعودي الواعي بشأن استقرار مصر، والاهتمام البالغ بدعمها، يعكس في أحد أهم تجلياته، إدراكًا فريدًا لتلك الحقيقة، فجيش مصر هو النواة الصلبة للأمن العربي، وأي تهديد في العمق لأمن مصر ووحدتها قد يقود إلى إنهاك جيشها في معارك الداخل، وإلى انكفائه على ذاته، بما يقود لاحقًا إلى تجريد الأمن القومي العربي من درعه وسيفه.
هذا الإدراك السعودي، الإماراتي، الكويتي، البحريني، الأردني، الواعي بحقائق التهديد للأمن الإقليمي، ولكونه بات تهديدًا يتعلق بصميم الوجود العربي، ويستهدف نواته الصلبة، يقدم إجابة عن سؤال اللحظة، وإن كان الأمر يستحق ما يتجاوز التعامل الآني مع الأخطار، إلى بناء رؤية للأمن القومي العربي، تستوعب حقائقه وتستجيب لتحدياته المستقبلية.
تلك الرؤية ينبغي أن تضمن وحدة عنصري «القوة» و»القدرة» معًا، ضمن تصوّر إستراتيجي، يستوعب حقائق الجغرافيا السياسية «الجيوبولتيك» ويتفاعل معها، ضمن تصور يعكس صيغة يمكن أن تكون مثلاً (6+1) تشمل دول مجلس التعاون الخليجي ومصر، وربما الأردن أيضًا.
التهديدات التي تحدق بالمنطقة ليست عابرة ولا آنية، والتصدّي لها ينبغي أن يتم من خلال إستراتيجيات لا يمكن أن تكون آنية أو ظرفية، وهكذا فإن دمج القوة المصرية، والقدرة الخليجية قد يحقق معادلة تصنع التغيير، وتضمن التأثير، في محيط إقليمي لم يعد يخفي أطماعه، وبإزاء قوى دولية لم تعد تخفي نواياها.
احلموا معي.. فـ»لو بطّلنا نحلم نموت».
نقلا عن المدينة
- اتفاق سعودي قطري لتبادل المعلومات الأمنية
- لبنان يطلق مناقصة لبناء محطة للطاقة الشمسية
- الطلاب يعودون إلى فصولهم بدون هواتف محمولة
- اجتماع عربي لاتيني لدعم حصول فلسطين على العضوية الكاملة بالأمم المتحدة
- في نيوم عبور المسافرين للجوازات سيكون ببصمة الوجه وخلال 10 ثوان
- مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية يدشّن “كرسي اليونسكو لترجمة الثقافات”
- الأمم المتحدة قد تصوت على قرار لإنهاء الوجود الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية
- اكتشاف نوع جديد من السرخسيات ذات القدرة على علاج الزهايمر في جنوب غربي الصين
- رئيس مجلس الدولة الصيني يبدأ اليوم زيارة إلى السعودية والإمارات
- استمطار السحب.. تجارب ناجحة لتعزيز التنمية المستدامة
معادلة القوة والقدرة
Permanent link to this article: https://www.alwakad.net/articles/84612.html