لا أطيل على القارئ العزيز وأسارعه بالإجابة على سؤال العنوان، نعم يوجد لدينا سياسة خارجية مؤثرة وموجعة وناعمة وصلبة، ولو لم يكن لنا فعل سياسي في البيئة الدولية لما وجدت لنا حضوراً مشاهداً ومقروءاً في الإعلام الدولي وتتابع على بلدنا الزيارات الدبلوماسية، زيارة يزعل بها ضيف وزيارة يرضى، وتدفع المملكة بالموقف بإثر الموقف، موقف يجابه بالنباح، وموقف يقابل بالتصفيق، أحجز العام المنصرم بين قوسين، وأجعل دورة هذا العام تحكي لك حقائق السياسة، ركز الرؤية على مواقف الرياض وقارنه مع مواقف عواصم العرب والإسلام وبعد هذه المقارنة أفرج عن العام وامسح القوسين ودع الأيام تكمل دورتها، فمع كل دورة ستكون لك إجابة جديدة، تنصف فاعلاً واحداً فقط.
السؤال عن السياسة الخارجية للمملكة وحدود نفوذها سؤال مشروع، والإجابة عليه لا تكون دائماً مشروعة، فمؤسسة الدبلوماسية في كل بلاد الدنيا إن اجتهدت في الإجابة خسرت جزءاً من الحقيقة، وإن صمتت عن السؤال خسرت الحقيقة كاملة، فالسياسي الذي ينتقل من قناة فضائية إلى قناة لا توجد لديه سياسة ولاموقف، يوجد له شكل ربما يكون جميلاً وربما قبيحاً، ويعتمد ذلك على نوعية المكياج الذي يضعه على وجهه، إن أمسك بوجهه جيداً تماسك ظهوره وإن ساح على الوجه ساحت معه العبارات والصورة، وجه تصنع ملامحه الكاميرا، لا يعرف صناعة المواقف.. فكلام السياسي كلام تفاوض وتأكيد مواقف أو هروب في بعض الأحيان من مواقف، فالسياسي الذي يفاوض الإعلام على مواقفه لا بد أن يخسر شيئاً من مواقفه، يخسر بسبب سوء تقديراته للظهور الاعلامي، وإن كسب شيئاً من هذا الظهور فالمكسب يشاركه فيه المذيع والقناة، فالسياسي الجيد هو الذي يتحدث عنه الإعلام وليس الذي يتحدث للإعلام.
عرف عن المملكة قوة سياستها ولم يعرف عنها قوة إعلامها في السياسة الخارجية، وهذه ميزة وإشكالية في نفس الوقت، ميزة أن المملكة تقوم سياستها الخارجية على المواقف ولا تقوم على الدعاية، وإشكالية إن الإعلام السياسي في المملكة فقير جداً ولم يكن بقوة مواقف المملكة، ويريد دائماً أن يتحدث له السياسيون ولا يتحدث عنهم، ولو راجعت مؤسساتنا الإعلامية لوجدت أن الأقسام السياسية من أضعف الأقسام في المؤسسة، وهذا لا يتناسب مع طبيعة ودور المملكة في السياسة الخارجية، كما إن هذا الضعف لا مبرر له خاصة إننا بلد صنع الحوار الاستراتيجي للأديان والثقافات، وبلد مقدسات، وأكبر بلد مؤثر اقتصادياً وسياسياً في المنطقة، فالعجز لدينا ليس بالمواقف، ولكنه عجز ظهور وممارسة في الإعلام السياسي..
المريح بهذا الجانب في شرح وتفسير السياسة الخارجية السعودية، هو ماتجده في شبكات التواصل الاجتماعي، فأبناء المملكة في الإعلام الجديد يقدمون خطاباً سياسياً راقياً عن سياسة بلدهم الخارجية، يتفوق على المؤسسات المهنية، فتكاد تقول إن المواطن العادي يتفاعل سياسياً مع مواقف بلده باحتراف وإقناع يفوق بعض الأحيان القنوات الفضائية المحسوبة على المملكة، فتجده يشتبك مباشرة مع أصحاب الدعايات المضادة لسياسة المملكة، ويحرص على كشف أهدافهم ومزاعمهم، ويعطي معنى جماهيرياً لسياسة المملكة الخارجية، فالذي يسأل عن سياسة المملكة الخارجية، نقول له: اسمع صوت أبنائها وتعرف سياستها.
نقلا عن الرياض
