لا أتفق مع أولئك الذين أغضبتهم الجامعات، حينما لم تفتح أبوابها لتوظيف حملة الشهادات العليا وانضمامهم لأعضاء هيئة التدريس فيها. كما أنني أختلف أيضا مع أولئك الذين ينزعجون حينما يقابلون أخوة من دول عربية وغير عربية في بعض المراكز البحثية والفكرية والعلمية، ويبدون عدم ارتياحهم لوجود مثل هؤلاء، مطالبين بسعودة هذه الوظائف، محتجين، في بعض الاحيان، بكثرة السعوديين الحاملين للشهادات العليا من الكثير من الجامعات خارج المملكة. اما سبب الاعتراض فهو القناعة بأن العلم والفكر والبحث لا جنسية له، بل من شروط ازدهار هذه الأمور وتطورها أن تتلاقح الافكار، وتتمازج من مختلف المشارب والرؤى والخلفيات العلمية والثقافية.
إن الدول التي سبقتنا في العلم والصناعة والاختراعات كانت، ومازالت، تتسابق في استقطاب الخبراء والعلماء والباحثين من مختلف دول العالم، والأمر نفسه اتبعته الدول حديثة العهد بالتقدم والتنمية. هذا الأمر لم يأت نتيجة قصور تلك الدول، وتحديداً جامعاتها ومستشفياتها ومراكز البحث فيها، في وجود مواطنين من ابناء تلك الدول للعمل فيها، ولكن قناعة بأهمية الاستفادة من كل ما يتوفر لدى الآخرين من علوم ومعارف وطرائق للبحث والاكتشاف، لن يتم الوقوف عليها إلا من خلال استقطاب أصحابها، وفتح كافة النوافذ لهم، واعطائهم كافة الامكانات لمزاولة أعمالهم ونقل تلك المعارف والخبرات إلى أبناء تلك الدول حيث الاحتكاك والتفاعل.
ان الأمر لايحتاج إلى اثبات، فالشواهد كثيرة، والدلائل اكثر وجميعنا يعلم كيف أسهم باحثون وعلماء وأساتذة جامعات من دول العالم الثالث في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية وشرق اوروبا في تطوير العديد من الدول الغربية في مجالات الصناعة والطب والاختراعات والاكتشافات، حينما تم استقطابهم وفتح المجال لهم. فقد وصل الامر إلى أن تزهو تلك البلاد باستقطاب مثل هؤلاء، كما يروي الدكتور غازي القصيبي رحمه الله انه سمع من الملكة اليزابيث الثانية انها تشعر بالسرور عندما ترى غير البريطانيين يعملون في المستشفيات البريطانية التي تزورها، كما تشعر بالاسى للفراغ الطبي الذي يحدثه رحيل هؤلاء الأطباء عن بلادهم. وهذا ما اسماه الرئيس السنغافوري السابق ومؤسس سنغافورة الحديثة السيد لي كوان يو " الاستيلاد الداخلي " حيث لاحظ على البنوك السنغافورية انكفاءها على القياديين السنغافوريين فقط، ما افقد البلاد النظرة الدولية لعمل البنوك ودورها وقدرتها على المنافسة العالمية، ما جعله يصدر أمره بأهمية استقطاب قدرات خارجية أجنبية لتولي زمام الأمور في بعض البنوك، لتتحول بعدها سنغافورة إلى مركز مالي عالمي.
الخلاصة، ان علينا ان نكون أكثر تسامحا في استقطاب اصحاب الفكر والعلم والبحث، مع خلق البيئة المناسبة لهم للابداع والتطوير، وربطهم بابناء وبنات هذا الوطن للاستفادة منهم والتعلم على ايديهم، دون ان نضيق واسعا في مشتركات انسانية عامة، علينا الاستفادة منها بغض النظر عن مصدرها، وبعيدا عن جنسية من يحملها
 نقلا عن الرياض
 
