بعض من الدعاة والوعاظ وأئمة المساجد لا يتقنون فن الخطاب ومواجهة الجماهير، فتراهم حين يخطبون في صلاة الجمعة أو غيرها يمارسون الصراخ أو اللوم والتقريع، أو يتحدثون عن مواضيع ذات حساسية قد تسبب إثارة الناس وتزرع الأحقاد والكراهية في صدورهم، أو يهاجمون بعض ما لا يعجبهم من سلوك وأفكار جديدة تشيع في المجتمع، حتى وإن لم يكن فيها ما يخالف الدين أو الأخلاق، كمهاجمة بعضهم لحقوق الإنسان التي اتفق حولها العالم، أو المواثيق والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها المملكة، وغالبا يكون ذلك بسبب جهلهم بالأبعاد الضارة لما يقولون، أو جهلهم بحقيقة ما يهاجمون، فهم غالبا يتلقون المعرفة حول ما يتكلمون عنه عبر ما يتناقله الناس فيما بينهم، وهذا النوع من المعرفة، في معظم الحالات، لا يخلو من أن يكون ممزوجا بالظنون والرأي الشخصي لناقليها، فتأتي المعرفة بها مشوهة بعيدة عن الحقيقة تماما.وحين يقوم أمثال أولئك الأئمة والخطباء أو الدعاة، بالهجوم أو التحريض ضد ما يرونه غير صحيح مما يجري العمل به في المجتمع وأقره النظام، أو ما أقرته سياسة الدولة من اتفاقيات عالمية، فإن ذلك يحدث بلبلة في أذهان الناس، خاصة البسطاء منهم، فيقعون في حيرة غير قادرين على التوفيق بين ما تفعله الحكومة وما يقوله الخطيب أو الداعية، وقد يولد ذلك في نفوسهم الامتعاض وعدم الرضا نتيجة تصوير الأمر بأنه مخالف للدين أو الأخلاق. من هنا أجد أن من مسؤولية وزارة الشؤون الإسلامية أن تعمل على رفع مستوى الوعي الثقافي لدى العاملين في مجال الإمامة والدعوة والإرشاد، خاصة العاملين منهم في المحافظات الصغيرة والقرى والمراكز، فتشترط عليهم اجتياز دورات تدريبية تقيمها لهم، لتدربهم على فنيات الخطاب الوعظي وأساليب ربطه بالحياة المعاصرة كالابتعاد عن مثيرات الطائفية والنعرات القبلية داخل المجتمع، وتعلم الفهم الجيد لما يستجد في هذا العصر من الأفكار والمفاهيم التي قد تبدو في ظاهرها غريبة عليهم، وكذلك فهم مضمون وغاية الاتفاقيات الإنسانية الدولية، التي تكون المملكة شريكا فيها، فهي في أغلبها تهدف إلى مناهضة التمييز والعنصرية، وتسعى إلى تحقيق العدالة بين البشر والمساواة بينهم في الحقوق، وتلك جميعها أهداف تتصل بالخلق الطيب الذي يدعو إليه الدين الحنيف
نقلا عن عكاظ