الحَي الذي أقطنُهُ قد ضاقت عليَّ سُبُله.. فما من فتاةٍ تَعبُر سِكَكَهُ جيئةً/ وذهاباً يَسعني أن أرى فيها الصّفات التي طالما وَددتُ أن تجتمعَ في فتاةٍ يُمكنُ أن تكون هي: «امرأة المستقبل» التي أحتضنُ حاضرها.. ذلك أنّي لستُ حفيّاً بـ: «امرأةِ ماضٍ» قد استنفدت كلّ علاماتِ إعرابِ: «أنوثتها» في كتابٍ قد بات خلِقاً من كثرة الرّد وما عاد صالحاً إلا أن يكون: «مهجورا» بأيّ ركنٍ قصيّ لا يؤبه له ولا به!.
مسافةٌ ليست هي بالبعيدة تلك التي تفصلُنَا عن الحيِّ الذي تقطنُه: «زينب» ما جعلني أعرفُ في هذه الـ: «زينب» وبالتفصيلِ كلَّ ما مِن شأنه أن تتهيأ لي معه السّبل فاجتمعُ وإياها الآنَ/ أو غداً تحت سقفٍ واحدٍ على نحوٍ أؤسس معها: (أهل بيتٍ) نتوسّط ما بين ذينك الحيّين لِنخلُقَ فيما بينهما حالةً من: (صحبةٍ) لم يُكدّر صفاءها غيرَ رفضِ «السياسي» ونَصْبهِ!.
في المرّة الأولى التي طرقتُ فيه بابَ بيتهم كان الذي استقبلني طفلٌ لعلّه حينها قد تجاوز السابعة من عمرهِ.. إذ هو من فتَحَ لي الباب بتؤدة.. ارتبكتُ إذ ذاك فسألتُه: هل هذا بيت: «زينب»؟. هزّ رأسه نافياً وهو يذرعني ببصرهِ حملقةً ربما بما اكتسى به سؤالي من فظاظة. أجل هو بيتُ مَن؟ قُلتُها هذه المرّة بصوتٍ على شيءٍ من تماسكٍ وكأني من حيث لا أدري أُداري بها ما كنتُ عليه من ارتباكٍ ظاهر.. فجاءتني إجابتُه واثقةً: هذا بيتُ السيد: «حسين العلي» وهو: والدي.
تشجعتُ فمططتُ رقبتي متنحنحاً بين يدي سؤالٍ ثالث هو أرفع صوتا من سابقيه: إذن أينَ هو السيد حسين؟.. وما إن همّ الطفل بمراودة الإجابة حتى ألفيتُ سيدَهُ (والده) لدى الباب.. وبابتسامةٍ أبانت عن شيءٍ من أسنانِه تشي بتصرّف من يبغي أن يطمئنني إذ رآني على شيءٍ من بقايا ارتباكٍ لم يزل بعْدُ متشبثاً بكل أطرافي.. ثم ما لبثَ أن فتح الباب على مصراعيه وبيدٍ ممتدةٍ أشار بكفٍ مبسوطة نحوي.. بأن: تفضّل يا ولدي.
أقعدني حيثُ يكون صدر المجلس.. وكان على علمٍ بالسبب الذي من أجله قصدتُ بيته.. وبسببٍ مما هو عليه من وفرةِ (عقلٍ) تجاوز فضول الكلام كلّه قائلاً: قد أخبرتني: «زينب» كلَّ شيء غير أنّي افتقدتُ والديك وقد جرى العرفُ -يا ولدي- في مثل هذه الحال أن يكونا رِفقتَك..!
يظهر أنّ زينب لم تُخبرك أنّهما من المحال أن يأتيا بصحبتي ذلك أّنهما -وقبل أنّ أكمل – تجهّمت ملامحه وبصوتٍ افتقد ما كان عليه قبلاً من رزانةٍ/ وهدوءٍ إذ راح يتعقّبني: يعني هذا أنّهما غير راضيين عن اقترانك بـ: «زينب».!؟
لا.. لا.. كررتُها ثم أردفتُ: هما قد انتقلا إلى رحمة الله تعالى.. ومَن مات – يا سيد حسين- ليس يُمكنه بأيّ حالٍ أن يُقرر مصير : «الأحياء».!
كان هذا كلّ ما يُمكن أن تُسعفني به ذاكرتي من خبرِ لقائي الأول بأبي حيدر السيد حسين العلي والد زوجتي: «أم عمر».. وأشار حينها إلى امرأةٍ خمسينيّةٍ كانت إلى جانبهِ تتوسّط كرسيّاً يجمعُنا الأربعة إلى طاولةٍ واحدة.. وما إن حانت منّي التفاتةً إليها حتى افترت شفتاها عن ابتسامةٍ خجلى وبصوتٍ محتشمٍ لم نتبيّن منه إلا قولها: كان ذاك زمان أول قبل أن تفسد: «السياسةُ» علينا كلَّ شيء.
مضى على هذه الحكاية قرابة 11 عاماً منذُ أنّ قصّها عليَّ: «أبو عمر الدكتور مؤيد العراقي» الذي التقيتُه في أعلى قمةٍ في بورصة المدينة التركية -وتحديداً في جبل أولوداغ البالغ ارتفاعه 2543 مترا- و: «أبو عمر الدكتور مؤيد» هو سلا نيٌّ يعود أصله إلى: «الرمادي» يعمل طبيباً في ألمانيا كان رفقة زوجته: «أم عمر زينب» المولودة في: «الكاظمية» وهي الأخرى طبيبة نساء وولادة جمعتهما كلية الطب في بغداد.. ولديهما الآن من الأولاد عمر وحيدر وفاطمة وعائشة ولهما من الحَفَدة أكثر من ثمانية يُشكّلون شجرةً من نسبٍ اجتمعت فيها أسماءٌ كُنا نعد اجتماعها من قبلُ ضرباً من المحال..! ويعيشون حياتهم خارج: «الوطن العربي» بكلّ يُسر ورغد عيش.. بينما يتواصلون مع ذويهم في الداخل العربي -بشق الأنفس- ولم تزدهم السنون تقدما في العمر إلا حُبا وإلفة.
وقد قصّا عليَّ من خبرِ بيتهما (الجميل) ما جعلني أصلي في حينها على آل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأترضى ثانياً عن صحابته الأطهار أجمعين.. ثم أُثلّث بـ: «لعن السياسة» ودهاقنتِها وأربِّعُ تالياً بأن أندبَ حظّنا من: «تاريخٍ» لم نفقه منه إلا أسودَهُ.!
نقلا عن الشرق السعودية - الدمام