أصدرت الإمارات العربية قبل أيام قانونا يجرم الاستهزاء بالأديان والرسول الكريم، ومن يحرض على الكراهية والبغضاء بين الناس، أو يدعو للفتنة وتمزيق وحدة المجتمع في أي صورة كانت، وقد أحسنت في إصدار هذا القانون في الوقت الحاضر بالذات ولن ندخل في تفاصيله وأهميته وموجبات صدوره ذلك شأن آخر، لكن ما يلفت النظر منه هي الفقرة التي تمنع الاستهزاء بالدين وتجرمه أو بالأصح الأديان كلها وتشدد في تحريمها ومعاقبة من يفعل ذلك مهما كان دينه وملته.
وهذا جانب حسن ورأي موفق فاحترام الأديان وقدسيتها أمر متفق عليه أخلاقيا ودينيا عند الناس كافة، وقلما تعرضت الأديان للاستهزاء حتى في المجتمعات التي يوجد فيها تعدد الأديان والنحل والمذاهب ويوجد فيها من لا يؤمن بدين من الأديان وحتى في القديم كانت الأديان موقرة منزهة، وقد كان الفاتحون المسلمون يحترمون الأديان الأخرى ولا ينالون منها ولا من أماكن العبادة، ويكفي التذكير بوصاية أبي بكر رضى الله عنه لجيوشه عندما وجهها لفارس والشام وأمرها ألا تؤذي الرهبان والعباد ولا كنائسهم، وأن يتركوهم وما فرغوا أنفسهم له.
والأديان وعبادها في مجمل التاريخ البشري لا يصيبها ضرر كبير ولا تتعرض إلا في القليل النادر للتحقير والاستهزاء، ولكن الدين نفسه قد يتعرض للضرر البالغ من أتباعه وممن يؤمن به، وهذا يحدث عندما تتشعب مذاهبه وأفكار التابعين له وكل منهم يأخذ بتفسير خاص به لا يراه الفريق الآخر ولا يرضى به، فيكون الضرر لقيم الدين وتعاليمه من أهله حين يعتمد كل فريق تفسيرا خاصا به ليرد على رأي الفريق الآخر.
في هذه الحال يحدث تشويه لتعاليم الدين وضرر به وينسب إليه ما لم يكن من تعاليمه ولا قيمه، حين يعزز كل فريق من أصحاب الدين الواحد رأيه ومذهبه ويزعم أن ذلك هو الصحيح من الدين، ومن يخالفه فرأيه باطل ومرفوض.
أهمية الأديان ووظيفتها وقيمها الاجتماعية، وأهمها وأولها الأديان السماوية، ثم الأديان الوضعية أو الاجتماعية، ولا يخلو مجتمع في القديم والحديث من دين يدين به ويقدسه ويحترمه بغض النظر عن موقف الآخر من الدين نفسه، والقاسم المشترك بين كل الأديان هو التسامح والحث على الحب والرحمة، وإصلاح شأن الناس والاهتمام بهم ولا تجد دينا من الأديان السماوية والوضعية إلا وهمه الأول تهذيب سلوك الناس وتحريم ما يؤذيهم ويضر بالمجموعة والأفراد ويحفظ أموالهم ودماءهم ومصالحهم، ويجعل ذلك كله سببا في رضا ربهم واستقامة حياتهم والأديان المنزلة تعاليم سماوية يرسل بها الرسول وينبأ بها الأنبياء فتكون لسعادة الناس في الدنيا والآخرة وليست لشقائهم أو اختلافهم وتفرقهم، أما الأديان الوضعية فيعتمد جلها على فلسفة بشرية تمثل قيما وعادات وتقاليد يحترمها المجتمع ويأخذ بها وبتعاليمها الأرضية، والقوانين الوضعية تسود في المجتمعات الشرقية بينما تسود الأديان السماوية العالم الغربي، وكلا النوعين يحاول تنظيم علاقات الناس بعضهم ببعض ودعوتهم إلى السلام والأمن والحرص على الوفاق في كثير من شؤون الحياة العامة التي تسعد البشرية ولهذا نالت الأديان احترام الناس وتبجيلهم لها حتى الذين لا يؤمنون بها قلما نالوا منها ومن تعاليمها أو أساؤوا إليها.
أما الخطر الكبير الذي يواجه الأديان في الوقت الحاضر فهو اختلاف أهل الأديان بينهم ومواجهة الدين للدين والمذهب للمذهب وهذا هو ما شوه الأديان وأحدث الحروب الطاحنة في القديم وفي الحديث، ولا شك أن تجريم النعرات المذهبية وإسكات دعاتها أولى وأسلم للدين وأهله وأحفظ لأمن الوطن وسلامة المجتمع.
نقلا عن صحيفة مكة