جميع الدعايات العربية التي تناهض الدعاية الإيرانية، مهدت لها من غير قصد، للدخول في حلبة سجالنا الثقافي العربي، كوجهة نظر تفرض الموضوعية وجودها في أحس الأحوال، ولتقبيحها في أسوئها، فحولنا نشاطنا الإعلامي إلى رافد حيوي للدعاية الصفوية، خسرنا فيه موضوعيتنا ولم يثمر تقبيحنا لها شيئاً، ويرجع ذلك بان دعايتنا تأتي مرة على شكل فتوى ومرة بشكل سخرية سياسية، وأخرى كلغة ترهيب من قوة كاسحة الوقوف بوجهها مخاطرة، فالدعاية الدينية دائماً تخسر مع السياسة، فأخلاقيات الدين وصدقه عندما يتلون بصوت الدعاية لن يكون ديناً، والسخرية تساعد العدو الكاذب على التنصل بسخرية من الحقائق الواضحة، فعززنا قوة طهران على المحاججة بدون أن ندرك ذلك، فلو نظرنا لردنا على دعايتها بإقامة إمبراطوريتها الفارسية على أرض العرب لاكتشفنا مدى جهلنا في لغة الدعاية، فقد سوقنا لتحذيرها وترهيبها، بإعادة نشرها بتحذير وليس بمواجهة، فقد كانت تريد إثارة حالة الذعر لدينا وتحقق لها ذلك، وتقصد من ذلك أيضا طمأنة مؤيديها في الدول العربية بأنها في الطريق إليهم، وان خصومهم لا يملكون إلا الخوف والشكوى.
الملمح الواضح في نجاح دعاية إيران استخدامها لفتاوى رجال الدين العرب، بدون أن يكون لها فتوى، فهي تنتج الخطاب السياسي الدعائي فقط، وتعتمد على الفتوى الدينية العربية في دعايتها، مشايخ العرب يفتون وهي تشعل الفتيل، الخطر السلفي على الشيعة جاء من شيخ دين عربي شيعي، وتكفير الشيعة جاء من شيخ عربي سني، ومهمتها هنا فقط مساندة تلك الفتاوى سياسياً، لتعزز كراهية العربي للعربي.
مواجهة الخطر تقوم على منع فرص انتشاره في الداخل، وبما أننا في حالة تهديد للسلم الاجتماعي بين مكونين أساسيين بسبب بعض الفتاوى والمواقف الدينية التي تحصنت خلف اجتهاد واحد وحجبت باقي الاجتهادات، علينا معالجة أمراضنا الطائفية في الداخل أولاً عن طريق وضع الفتوى في سياق وطني واجتماعي آمن لا يستطيع العدو المتربص التكسب من خلاله، فلدينا متسع عظيم في ثقافتنا الدينية يؤهلنا لخلق سياق وطني جامع لكل مكونات المجتمع، بدون أن يكون في ذلك تجاوز على الدين أو المذهب، ففي الخليج تجاوزنا سياسياً واجتماعياً الإشكالية المذهبية منذ تواجدنا التاريخي الأول معاً تحت مسميات وطنية تاريخية عديدة، ولكن طهران عملت على إعادتنا للخلاف المذهبي عن طريق الفتوى المذهبية، فجعلت من معاوية وكأنه مواطن خليجي والحسين وكأنه مواطن إيراني، لتسهل دعائياً على أتباع سيدنا الحسين التحول إلى موالاتها بدون الشعور بالذنب أو الخيانة. حيل ماكرة حققت من خلالها أيضا مصالح ماكرة.
لا يوجد خطاب دعائي مؤثر إن لم يستند على قوة، فإسرائيل قوة دعايتها ترتكز على قوتها العسكرية وعلاقاتها الدولية، وقوة الدعاية الإيرانية الموجهة للعرب تستند على قوة الفتوى الدينية العربية، فبدونها لن تجد الحماقات بين مؤيديها ومعارضيها العرب، مصطلح الروافض من المصطلحات القبيحة التي تقوم عليها الدعايات التي لا تخدم استقرارنا المجتمعي، وتعمل على ترسيخ قناعات مزيفة تصف اختلافنا بالديني والأبدي، فالقوة التي يفترض وجودها في دعايتنا هي قدرتنا على صياغة قوانين اجتماعية ووطنية تحفظ تماسكنا للأبد.. فلا توجد قوة مهما بلغت تستطيع أن تجعل وجودنا آمنا إن لم نحجب هذه الصفات المؤذية لبعضنا عن لغتنا وحواراتنا، فتجريم مصطلح الروافض سوف يعيد الاعتبار لوجودنا السياسي والاجتماعي كشعب خليجي واحد لا يقبل الانقسام.
نقلا عن الرياض