لن يجد أي منصف، أو مطلع بسيط المعرفة عن الإسلام، من خيار غير تجريد صفة «الإسلامي» عن التنظيم الإرهابي المنعوت بـ«داعش»، فليس في سلوك هذا المسخ الإجرامي من صفات تتصل بالإنسانية ناهيك أن ينسب إلى دينٍ، قام على بسط الأمن والسلام ليس في صفوف معتنقيه فحسب؛ بل للبشرية كافة بعموم رسالتها لها، وهي رسالة ظلت حاضرة في ذاكرة التاريخ على مر الحقب، تتناوشها بين الفينة والأخرى آراء متطرفة تذهب إلى استلال نصوص من سياقها الظرفي لتكسبها صفة الديمومة والعموم، مشوهة بذلك صورة الإسلام في أذهان مناوئيه، ومعطية الذريعة لإعدائه برميه بجريرة الإرهاب وإشاعة ثقافة الكراهية للغير، والموت لمن هم دون المسلمين.
وما ابتليت البشرية عامة والأمة الإسلامية خاصة في وقتها الحاضر بفتنة أشد وطأة عليها من فتنة «داعش»، فكل المؤشرات التي تكتنف نشأة هذا المسخ المشوه، وسرعة نموه السرطاني، واكتسابه لقوة باتت تقارع دولة عريقة النشأة، أمر يدعو للدهشة، ويرفع علامات الاستفهام والحيرة، ويوقظ كل أسباب الريبة، خاصة إذا ما استصحبنا في الخاطر التقاعس الغربي المريب، وتعاميه المستمر عن النداءات المتكررة، والمبادرات الكثيرة التي ظلت تقودها المملكة العربية السعودية تحديدا، وأجراس الإنذار المبكر التي قرعتها قيادته الرشيدة في حقبة الراحل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله-، وتواصل ذات النهج منذ أن تولى خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز –حفظه الله– مقاليد الحكم، فطوال هذه الفترة ظلت المملكة حاملة لواء الحرب ضد هذا التنظيم، منبهة العالم أجمع، ومحبي السلام إلى خطورة الوضع، الأمر الذي لم يجد إلا محاولات ومشاركات خجولة من بعض الدول الغربية، بما يثير الريبة في موقفها، بخاصة وأنها ظلت تتنادى وتجتمع وتتعاضد في شن حملاتها التأديبية حيال قضايا وإشكالات عالمية أهون شأنا مما تقترفه «داعش» اليوم.. فبأي مبرر ستتكئ لتمرير صمتها المريب، وتجاهلها المحير تجاه تنظيم، محصور الجهة، بما يجعل من مسألة محاصرته وإبادته عن خارطة الوجود أمرا في غاية اليسر والسهولة، إن صدقت النوايا، وكانت نية السلام وإشاعة الأمن هي الأجندة الأولى في حسابات الدول كافة..
ولئن كنا نطالب بتعاضد دولي، واستشعار عالمي بضرورة المشاركة في إبادة هذا التنظيم الإجرامي، وإفنائه عن الوجود، فإننا أحوج ما نكون اليوم لمواجهة أنفسنا أولاً بكل صدق وشفافية، وتوجيه سؤال مهم ومركزي لها؛ مفاده: ما الذي يدفع بشباب نضر، ويفع صغار للخروج من بين أيدينا والالتحاق بهذا التنظيم الدموي القاتل؟!
أي قصور في خطابنا الديني - على نصوعه - غفل عن إبانة جوهر الإسلام، وحقيقة دعوته إلى السلام والأمان، في مقابل نفاذ ثقافة الموت والكراهية إلى هذه العقول اليافعة؟
بصورة أكثر وضوحًا: من ذا الذي يسرق أبناءنا منا؟
علينا أن نواجه أنفسنا بصدق، وندرك الحقيقة المفزعة التي تشير إلى أن أعداد السعوديين الذين ينخرطون في هذا التنظيم الدموي، اللا إنساني، في تزايد مقلق ومحيّر..
إن من الغفلة والتساهل غير محمود العواقب غض الطرف، أو التعامل باللين مع موقدي الفتنة، ومثيري العصبية والكراهية، ممن انكشفت نواياهم، وبان عوار فكرهم.. إن الأخذ بالحزم، والضرب بيد من حديد على مثل هؤلاء، ممن يمثلون رأس الأفعى من مثيري الفتن أوجب الواجبات اليوم، ففي ردعهم بشكل علني رسالة مهمة لآخرين باتوا يتطاولون على المملكة قيادة وشعبًا وتاريخًا، ويحركون بيادقهم باتجاه الداخل..
إن الحرب على «داعش» من المهم أن تبدأ على كل المستويات علانية، فهناك من يجهر بالانتماء إليها، وهناك من يعضد رؤيتها ويساند أطروحاتها الإرهابية علنا حتى تبجح أحدهم وادعى أن داعش أخوة لنا، ففي ردع هؤلاء، ردعا يبقى عظة وعبرة بداية الحرب على «داعش» المأفونة.
لقد سئمنا من هؤلاء الناعقين وهم شر مستطير تركهم هكذا زاد الإرهاب تغولا لابد من أن نحكم صوت العقل ونحكم يد الشرع التي وصفت جزاء هؤلاء المخربين في الأرض بدلا من تسلق الحوائط الصغيرة وإيجاد التبريرات الجاهزة عند كل حادث مصدره هذه الأبواق الداعشية الناعقة. لقد عانينا من فكر الصحوة ومقررات الإخوان ومخيمات المتشددين الذين مارسوا على أبنائنا كل أنواع البرمجة الفكرية ليكونوا حطب المعارك الجهادية الباطلة.
وأخيرا لابد أن نقف إجلالاً واحتراماً للضربات الأمنية الاستباقية الموجعة لوزارة الداخلية ورجالها الأبطال الذين استطاعوا أن يدوسوا بقدم من حديد ورصاص على رقاب الخوارج المارقين على أمن الوطن وأمانه. لابد من مراجعة فكرية توازن الضربات الأمنية.
نقلا عن عكاظ