توصيات البيان الختامي التي صدرت عن ملتقى (المرأة السعودية ما لها وما عليها) ايجابية ورائعة وتختزل الكثير من هموم نساء الوطن ومعاناتهن على المستوى الاجتماعي والأسري، وسوى ذلك من العقبات التي لطالما عرقلت طريق النساء، ومن بعض التوصيات المهمة (انشاء مدونة للأحكام القضائية المتعلقة بحقوق المرأة والأسرة، انشاء هيئة عليا لحقوق المرأة والطفل، وحصول المرأة على الأوراق الرسمية لها ولابنائها مع العناية بالمطلقات واستقطاع النفقة من راتب الزوج، مع أحقية التجنيس لمن آباؤهم لا يحملون الجنسية السعودية)، وسوى ذلك من توصيات تلامس معاناة يومية مزمنة للمرأة لدينا.
ولكن كان بالامكان أن تتدارك الكثير من جوانب النقص والقصور في هذا الملتقى بمزيد من التخطيط والتريث والانفتاح على جميع التيارات الوطنية فعلى سبيل المثال: هذا المؤتمر لا يفصله عن القرارات التاريخية التي اتخذتها القيادة فيما يتعلق بتمكين المرأة في مجلس الشورى والمجالس البلدية سوى، فترة زمنية وجيزة، على الرغم من هذا لم يشر إلى موضوع تمكين المرأة إطلاقا سواء على مستوى أوراق العمل أو التوصيات على الرغم من كونه موضوعا محوريا ونقلة كبيرة للمرأة، من الممكن أن تختصر وتحل الكثير من همومها في حال اقترابها من دوائر صناعة القرار، المرأة حين تشارك في صنع القرار وتسمع صوتها بوضوح من خلال سلطتها الرسمية تبتدئ مشاكلها بالتدريج بالتفكك وعقدها بالذوبان، لكن المؤتمرين ضربوا صفحا عن هذا وفضلوا أن يختاروا من هموم المرأة بطريقة انتقائية في قضايا محددة يرونها مهمة ويعتقدون أنها لا تزعج الشوارب المفتولة في القاعة الرجالية، متناسين أن سبب غالبية تلك الاشكاليات هو غياب النساء عن الفضاء المدني العام، واسلام مصيرها إلى من يتخذ الأمر عنها، فالموضوع نتيجة وليس سببا.
- المؤتمر اسمه (المرأة السعودية) أي نصب نفسه هذا المؤتمر متحدثا باسم المرأة السعودية فهل شاركت النساء السعوديات جميعهن؟ بجميع أطيافهن وتوجهاتهن الفكرية وتياراتهن والمجالات التي ينجزن ويبدعن ويشاركن في النهضة التنموية من خلالها؟ بالطبع لا.. كان واضحا على المؤتمر ومنظميه ومرتاديه التحزب الواضح والتترس خلف توجه أحادي، حاول أن يختزل المرأة السعودية في تصوره الخاص، وطمس جميع الوجوه المضيئة والمنجزة والمتألقة الأخرى للمرأة السعودية (أم أن الأحادية ورفض الآخر المختلف هي سمة أساسية للموضوع؟)
تصلني رسائل جوال مصدرها مركز باحثات (وهي الجهة المنظمة للملتقى) ولو اختزلنا موضوعات هذه الرسائل لوجدناها تتمحور حول موضوعين تقليديين لطالما صالا وجالا في الساحة الفكرية (التخويف من مؤامرة عالمية تترصد بالمرأة السعودية، وأهمية جلوس المرأة بالبيت دون عمل)، بالطبع هذا الطرح المؤدلج المنغلق على يقينه لطالما اكتسح المكان ودور التعليم والجامعات لسنوات طوال، وقد وردت الكثير من المداخلات في المؤتمر تستجلب أدبيات تلك الفترة وخطابها المتشدد، على سبيل المثال أشارت إحداهن إلى امتعاضها من مشروع الابتعاث للنساء للدراسة في الخارج وعن وجوب ايقافه للبنات واتمام دراستهن في جامعات الداخل، مع ما في هذا الطرح من تقاطع مع توجهات القيادة في المشروع التاريخي الرائع للابتعاث والاستثمار في طاقات الوطن من بنات وبنين.
اختتمت احدى المشاركات ورقتها بتوظيفها للآية القرآنية الكريمة (قل موتوا بغيظكم) في تنابز حريمي لا يرقى لعظم الآية أو لحجم المناسبة أو الهدف أو سمو الحوار وأهدافه، ولكن يشبه المناداة للترويج للبضاعة (الزين عندنا والشين عند جيراننا)، مع ما في هذا الموضوع من طرح متشنج ضد الأطراف الأخرى، والغياب التام للوعي بأبجديات الحوار والتعايش وقبول الآخر، وهي قيم كنا نظنها قد ترسخت في عهد الإصلاح؛ ولكن يبدو أن هذا هو الهدف الرئيس للملتقى.. إماتة الآخر ونفيه وإقصاؤه.
الملتقى يشكر على جميع الجهود الكبيرة المبذولة والتوصيات الايجابية، ولكن كان من الممكن أن يسمى (ملتقى بعض النساء السعوديات ما لهن وما عليهن).
نقلا عن الرياض