هذه المرة لم يكن الاحتساب ضد التغريب أو ضد المثقفين أو ضد القوى المتآمرة على البلد أو على الدين كما يتصور البعض أو يروج.. كان الاحتساب هذه المرة ضد رغبة المجتمع في التفاعل مع المهرجان الأشهر في السعودية: مهرجان الجنادرية، حيث التاريخ الشعبي للناس وحيث الثقافة التي يعرفونها وتربوا عليها في حياتهم اليومية مجتمعة في مكان واحد بما فيها الرقصات الشعبية التي لم تكن غريبة على الناس، وليست غريبة حتى على المحتسبين أنفسهم، لكن وجود المرأة هو الأكثر قلقا لدى هؤلاء.
صحيح أن هناك الكثير من المظاهر التي لا تليق كالتحرشات بين الشباب والشابات، لكن نسبتها أقل بكثير من مجموع الحاضرين، ويستنكرها المجتمع قبل المحتسبين، فالقضية قضية ثقافة مجتمع بأكمله، وليست ثقافة مجموعة منه. ثقافة المجتمع الذي يريد أن يرى ذاته الثقافية بمعناها الواسع: فنونها وأدواتها؛ تتجسد أمام أعينهم، أما ما يحصل من خروج عن السائد فهو حاصل في كل مكان، ويعرفه المجتمع جيدا ويستنكره، ولو كان الأمر مستفحلا أكثر من اللازم لكان المجتمع نفسه يرفض حضور هذه المهرجانات للظواهر المشينة فيها.
ينسحب هذا الكلام أيضا على معرض الكتاب كونه مهرجانا للقراءة، حيث صدر بيان بعض المشايخ في الدعوة إلى مقاطعته، أو بعض عمليات الاحتساب التي حصلت سابقا.
الأمر يعود ـ في رأيي ـ ليس إلى سلوكيات يرفضها المجتمع قبل المحتسبين، بل إلى فرض سلطة اجتماعية من خلال مفهوم الاحتساب العام غير الرسمي، كونه مفهوما دينيا مقبولا عند الناس، في تعذر أية شرعية أخرى غير الشرعية الدينية لدى المجتمع المسلم.
قبول الناس لحضور المهرجانات ورفض مشايخ الاحتساب لها، يجعل الأمر أقرب إلى المزايدة على دين الناس وثقافتهم من خلال رؤية دينية خاصة جدا لمجموعة من الناس على كامل المجتمع.
نقلا عن عكاظ