تشجع بعض الثقافات العمل التطوعي بدافع إنساني بالدرجة الأولى، ولتعزيز مبادئ اجتماعية إيجابية تساهم في المحافظة على كيان اجتماعي صحي يتعاون فيه أفراد المجتمع على مستويات طبيعية، فتجد المتطوع يقوم بعمله بكل شغف وطاقة وحماس لأنه اختار هذا العمل بنفسه ولايهمه كثيرًا المردود المادي لعمله. وحينما نقابل هذه الفئة من المتطوعين في مجالات مختلفة تجدهم يجدون متعة كبيرة في الحديث عن عملهم وكيف أن المحرض لديهم هو إسعاد الآخرين، وحتى إن صادفوا ممن لايحسن التعامل الحضاري واللباقة معهم، ومع ذلك، فإنهم يصنعون من هذه الفرص غير الإيجابية شيئًا مفيدًا لهم ولغيرهم عندما يجعلونها فرصة نمو شخصي وتعلّم.
وغالبًا ماتكون هذه المجتمعات -التي تعزز العمل التطوعي- تحتوي على الكثير من المصادر المعرفية التي يمكن أن تُسهّل على المتقدّم إيجاد هذه الفرص التطوعية وفي المجال الذي يروق له سواء أكان ذلك في الميدان الصحي أم التعليمي أم التجاري وغيره. ومن هذه المصادر التي يمكن الاستعانة بها هو ماتوفره خدمات المدينة من منشورات متخصصة تُوزع وفق موضوعها؛ فتجد معلومات التطوع الصحي في المستشفيات والعيادات والمراكز الصحية، بينما يمكن قراءة فرص العمل التطوعي التعليمي في المدارس والمعاهد والكليات والجامعات وخلافه، هذا إلى جانب توفر موقع رسمي توفر فيه بلدية المدينة معلومات مفصلة عن طبيعة الحاجة الماسة للكثير من الأعمال التطوعية ومجالاتها وطريقة التقديم لها، ومن هم الأشخاص المناسبون لذلك، وكيف يمكن اختيارهم، وما مهامهم وغير ذلك من الأمور التي تسهل طريقة اختيار الشخص للعمل التطوعي المناسب له.
وعند النظر إلى الأعمال التطوعية الصحية، مثلًا، يمكن للمريض وعائلته أن يقابلوا من يساعدهم على إرشادهم داخل المستشفى، وهناك من يساعدهم على حمل الأغراض أو توصيل المريض لقسم أو طابق معين، وهناك من يوزع مجلات وكتباً على المرضى المنومين، وهناك من يزورهم ويتحدث معهم ويمضي الساعات وهو يرفع من معنوياتهم.
والحقيقة أن الكثير من المستشفيات الأجنبية تفتح المجال لمرضاها للعمل التطوعي لديها، بل يمكن لهم كذلك العمل فيها من منطلق أن المريض عرف المستشفى من الطرف الآخر وهي جهة المريض، وبذلك فإنه أعرف باحتياجات المريض المعنوية والمادية، ويمكن أن يكون تطوعه أو عمله لدى المستشفى مفيدًا لجميع الأطراف. وليس هناك حدود لأعمار المتطوعين ولامستواهم التعليمي؛ فالكل مرحب به بما يستطيع عمله وما يجيد القيام به دون مصاعب ولاتعقيدات.
وبمقارنة هذه المجتمعات بمجتمعاتنا التي لاتشجع علىالقيام بأي عمل دون مقابل مادي مجزٍ (راتب شهري)، فإن الكثير من الأفراد عندنا يعانون مشكلات كثيرة داخل جهات خدمية متنوعة. وبسبب عدم وجود جهة ترعى مشكلاتهم أو تفهم احتياجاتهم، فإن جزءًا من شكاواهم لاتجد حلاً مناسبًا.
ومع أن العمل التطوعي مهمة إنسانية دعمها الدين الإسلامي، إلا أن واقع الحال هو أن الكثير من الشباب لايجد سببًا منطقيًا لكي "يهدر وقته مجانًا" لأن اهتمامه منصب على الربح المادي الذي يمكن قياسه بالأرقام، وليس هناك اهتمام واضح بالاعتبارات الإنسانية الكثيرة التي تقف خلف الكثير من المهام الوظيفية. وإذا كان العمل الوظيفي إلزاميًا ربما يؤديه الشخص مرغمًا، ولكنه سيكون أفضل بكثير، لدرجة تبعث على الراحة والرضا، إن كان الشخص يقوم به محبةً واختيارًا وليس فرضًا عليه.
إن اختيار الشخص للعمل التطوعي يجب أن يكون نابعًا من مبدأ أخلاقي رصين تعززه مشاعر إنسانية يحتاجها المجتمع لكي يجد فرصة للنمو الصحي.
ومن تتاح له فرصة لزيارة بعض مستشفياتنا أو مدارسنا وجامعاتنا سيجد أن هناك الكثير مما يمكن عمله أو تحسينه عن طريق الأعمال التطوعية التي يمكن لنا القيام بها. ولكن لابد من الاعتراف بوجود قدر لابأس به من التعقيدات المكتبية والبيروقراطية الإدارية التي تقف في وجه أي طموح. فنظرًا لافتقادنا ثقافة التطوع، فليس مستبعدًا أن تجد من يشك في أمر هؤلاء الذين يعملون دون مقابل أو بمقابل زهيد، فيرى أنهم ربما يحاولون التعرف على المكان أو التقرب لشخص ما من أجل الحصول على مبتغاهم. والواقع أن التفتيش في نوايا الناس والهوس بتفاصيل حياتهم واختياراتهم مثال آخر لهدر الطاقة البشرية التي يمكن أن تكون مفيدة للمجتمع الإنساني لو أنها وجدت مكانًا مفيدًا لكي تنمو فيه وتعبر عن نفسها.
ولأن الأعمال العظيمة تبدأ صغيرة، فالأمل معقود على الجهات القادرة على التنظيم والإدارة لإشاعة العمل التطوعي الإيجابي بين صفوف الشباب وتشجيعهم على الانخراط في خدمة المجتمع ومساعدة الآخرين. وقد يتطلب الأمر تنظيم الدورات المناسبة للتدريب والتعليم والتهيئة، لكي يشعر كل متطوّع أنه يقدّم العمل الصحيح الذي يلتزم بالمسؤولية والأمانة..
نقلا عن الرياض
- إعلان الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر” منها السعودية رجاء عالم
- عدد مستخدمي الأدب عبر الإنترنت في الصين يتجاوز 500 مليون
- ابن البناء المراكشي.. سلطان الرياضيات وامبراطور الحساب في العصر الإسلامي
- عهدية السيد تنال جائزة «نساء يصنعن التغيير» من «صوت المرأة»
- تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. البنك الإسلامي للتنمية يحتفل باليوبيل الذهبي
- الجزائر وقطر توقعان اتفاقية لإنتاج الحليب المجفف بتكلفة تفوق 3.5 مليار دولار
- تسليم الفائزات بجائزة الأميرة نورة للتميُّز النسائي
- الورد يستهدف إنتاج ملياري وردة بحلول 2026م
- الجامعة الإسلامية بالمدينة تنظم “مهرجان الثقافات والشعوب” الثاني عشر
- اكتشاف 454 كويكبا جديدا في النظام الشمسي
العمل التطوعي في المجتمع
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.alwakad.net/articles/48062.html