دائما ما تعود مشكلة رجال هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعود طرح قضاياهم عندما يكون هناك نوع من الصدام الاجتماعي بين أفراد رجال الهيئة والمواطنين، حيث نجد في "أكثر" القضايا أن التعنت في "بعض" رجال الهيئة يقود إلى نقده النقد الشديد. أشدد على كلمتي: "أكثر"، و "بعض" وأضعهما بين مزدوجين حتى نخرج من تهمة الانحياز ضد رجال الهيئة، وإذ أعلم أنه لا مفر من هذه التهمة مهما حاولنا أن نكون موضوعيين في النقد ومعتدلين، إلا أن تكون مع رجال الهيئة جملة وتفصيلاً، وتبدأ في التبرير لأخطائهم التي صارت أكبر من أن تخفى على أحد، والتي أجبرت حتى أولئك المعتدلين في الخطاب الديني على الاعتراف بتلك الأخطاء المتكررة من قبل رجال الهيئة، ممن كان يدافع فيما سبق عن هذا الجهاز.
أقول: إذ أعلم أنه لا مفر من التصنيف إما أن تكون مع الهيئة أو تكون ضدها، فإن محاولة تحاشي الصدام النقدي تكون لا طائل لها، لأنه ما زال رجال الهيئة يكررون ذات الأخطاء، وما تزال التبريرات الرسمية هي ذاتها لا جديد فيها، ومازال الدفاع عن أخطاء رجال الهيئة هو ذاته، ومازال تكرار أنها حالات فردية تعود من جديد كلما خرجت علينا قضية كان أطراف الهيئة هم السبب فيها، والسؤال: هل مع كل هذه الأخطاء ومع كل هذه التبريرات ومع كل تلك القضايا تبقى المسألة أخطاءً فرديةً؟
كانت تهمة الأخطاء قديماً تُلقى على المتعاونين أو المحتسبين من غير رجال الجهاز الرسميين، وحينما صارت المشكلة أكبر من أن تخفى على أحد تم إلقاء التهمة على التجاوزات الفردية من رجال الهيئة، لكن مع تكرار تلك التجاوزات فقد تعدت المسألة كونها تجاوزات فردية إلى كونها ظاهرة عامة تحمل في طياتها تساؤلاً كبيراً يدور في خلد أفراد المجتمع، وفي المجالس الخاصة والعامة، وفي المنتديات، ونقاشات مواقع الإنترنت عن إشكالية إنكار المنكر لدى رجال الهيئة، والطرق التي يستخدمونها في إنكارهم على المجتمع.
يبدو أن القضية لم تعد أخطاءً فرديةً فتكرارها بعد كل ما انتقد رجال الهيئة به، ومع كل محاولات تطوير هذا الجهاز، ومع كل الدورات التي أخذها رجال الهيئة في طرائق تعاملهم مع المجتمع لم تزحزح تلك البنية الفكرية المتجذرة في الذهنيات العامة التي تقود تصرفات رجال الهيئة، وإلا ما معنى كل تلك الاستماتات من أجل الدفاع عن الخطأ الذي صدر من ذلك المحتسب أو ذاك؟. ما معنى محاولات إخفاء الخطأ أو محاولات تبريره رسمياً في بعض مراكز الهيئة. كيف نفهم أن يخرج متحدث رسمي ويحاول أن يجعل الخطأ في البداية على الفرد المواطن ثم إذا اتضحت المسألة، وعرف الجميع بخطأ رجل الهيئة بدأت التبريرات تأخذ مسعاها؟ ما معنى أن تنتشر الكثير من الأخطاء الفادحة من رجال الهيئة، ويتم فضح تصرفات الكثير منهم في الصحافة ثم لا نسمع خبراً واحداً في إدانتهم أو محاسبتهم، بل بالعكس نجد أن التبرئة هي الأخبار التي تتصدر الصحف. إن الأخطاء حينما تنتشر بهذه الكمية، فالمسؤول ليس الأشخاص أنفسهم بقدر ما تقع المسؤولية على الجهة الرسمية التي تمثل ذلك الشخص. ولنضرب مثالاً في المجال الصحي وهي كثرة الأخطاء الطبية ففي كثرتها تقع المسؤولية على الجهة التي رعت هؤلاء، وهي الشؤون الصحية أو الوزارة إذا ما تعدت المسألة النسبة المناطقية وليس الأطباء فقط، إنما جميع المسؤولين في الصحة.
ما ساقني إلى هذا الكلام، والذي سيعتبره البعض تهجماً، هو حمل سلاح أبيض (سكين) مع رجل من رجال الهيئة في منطقة حائل، والذي نشر خبره ومتابعته على مدى ثلاثة أيام أو أكثر في صحيفة الوطن وطعن رجل بطعنتين أمام زوجته، لأنه لم ينصع إلى أوامره بتغطية عينيها بعدما احتدم الشجار بينهما.
ما يجعل الأمر أكثر سوءاً أن التصريح الذي أدلى به الناطق الرسمي بعد الحادثة يكشف عن بعد غريب في التفكير وخلل في الرؤية العامة التي ينتهجها هؤلاء، حيث يتم التأكيد على الخطأ الذي قاد رجل الهيئة الأول إلى الطعن، وهو تكرار إجبار النساء على تغطية عيونهن رغم أن الحادثة تدور حول مسألة طعن، وليست مسألة تغطية عيون، أي إن المشكلة هنا أكبر من قضية تغطية عيون لامرأة عابرة، والضرر هنا تضاعف من إنكار منكر بسيط ـ إذا اتفقنا على أنه منكر في الأصل ـ إلى منكر أكبر: (الطعن)، والذي ربما قاد إلى الموت، ماذا سيحل هنا: هل سوف تعتبر حادثة عادية كما حصل لحادثة تبوك قبل سنوات حيث تسبب عدد من أعضاء الهيئة في وفاة رجل وخرجوا بعدها براءة؟. يبدو هذه المرة أن القضية أصعب بكثير من تلك الحادثة وأكثر عنفيّة ودموية بحيث لا يمكن تبريرها.
هل كان الأمر بتغطية عيني امرأة عابرة يستدعي كل هذا العنف؟ أم أن القضية تتعدى كونها محاولة لفرض سلطة على المجتمع، ولو كانت باستخدام القوة أو استخدام السكاكين؛ سلطة من قبيل إعطاء رجل الهيئة قيمة أكثر من كونه موظفاً في جهاز من أجل حماية المجتمع لا ترويعه، أو سلطة من قبيل اعتبار رجل الهيئة أكثر غيرة من الأزواج والأخوان والأهالي على أهاليهم وبناتهم، بحيث لولا رجال الهيئة لكان مجتمعنا طافحاً بالرذيلة والدعارة والفسق والمجون، ولكثر اللقطاء في الشوارع كما هو تصريح أحد المسؤولين في الهيئة.
إن مفهوم المنكر في ذهنيات من يتعاملون مع المجتمع من قبل رجال الهيئة الذين في الميدان يحتاج إلى إعادة نظر، وإعادة دراسة حقيقية لا شكلية تستوعب كل إشكاليات الصدام مع المجتمع، كما تستوعب نقاط الخلاف الفقهي قبل الاتفاق بحيث يتم تحديد المنكر حقيقة، وليس ترك الأمر هكذا لرجال أثبتوا عدم مسؤوليتهم تجاه التعامل مع الناس، فيصبحون هم المحددين أولا وأخيرا للمنكر على كل ما يمتلك بعضهم من خلفية دينية ضئيلة جداً لا تفهم أبسط قواعد الإنكار وهو أنه لا إنكار فيما اختلف عليه فقهياً.
نقلا عن الوطن
- تدشين أول مسجد “ذكي” في الأردن
- الولايات المتحدة الامريكية تقدم التعازي في وفاة الرئيس الإيراني
- غرفة أبها تنظم غداً “معرض الصناعة في عسير “
- خادم الحرمين الشريفين فحوصات طبية في العيادات الملكية في قصر السلام بجدة
- جائزة الشيخ زايد للكتاب تفتح باب الترشح لدورتها التاسعة عشرة 2024-2025
- القمة العربية في البخرين نحو تعزيز التضامن العربي ومواجهة التحديات المشتركة
- إنشاء 17 جامعة تكنولوجية جديدة في مصر
- اللجنة الفنية السعودية – المصرية للنقل البحري والموانئ تختتم أعمال اجتماعات الدورة الثامنة
- بنك التصدير والاستيراد السعودي يوقّع اتفاقيتين لتمكين الصادرات السعودية غير النفطية
- تحت رعاية ولي العهد«سدايا» تنظم القمة العالمية للذكاء الاصطناعي سبتمبر المقبل
الإنكار بالسكين
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.alwakad.net/articles/48242.html