بين الديموقراطية والتقنية علاقة متبادلة. فحين تخدم التقنية الديموقراطية في تحصيل أصوات الناخبين مثلا، محققة سرعة فائقة في تعداد الأصوات؛ تقوم الديموقراطية في خدمة التقنية بشكل غير ظاهر. فجوجل مثلا تستخدم الديموقراطية لتصنيف مواقع الانترنت التي تعرضها حين يقوم المستخدم بالبحث من خلال كلمة مفتاحية. حيث تبحث جوجل أولا في المواقع التي تحصل على أصوات أعلى، بحيث تتفاضل المواقع بعدد الأصوات كما يحدث في انتخابات الرئاسة. فكل رابط يضعه موقع ما يؤدي إلى موقع آخر، تعده جوجل مثابة صوت يمنحه الموقع الذي يحمل الرابط إلى الموقع الآخر. فمثلما يقوم المنتخبون بمنح أصواتهم للناخبين من خلال تعبئة نموذج انتخابي، يقوم الموقع بمنح رابط لزائريه ليرشح موقعا ما. بهذه الطريقة تكون جوجل قد تنازلت عن سلطتها في تصنيف المواقع ومنحتها إلى جمهور صانعي المواقع بترشيح من يرونه مناسبا. وما على جوجل سوى أن تحصل الأصوات بشكل دوري وتعرض النتائج كلما قام مستخدم بالبحث عن كلمة مفتاحية.
من خلال تقنية البحث هذه، تقوم جوجل بجعل مادة الانترنت خاضعة لديموقراطية منشئي المواقع الذين يملكون الأصوات من خلال الروابط. يقابل هذه التقنية ما يقوم به أفراد يتولون مسؤولية تمثيل الذوق العام حسب القيم التي يلتزمون بها والقيم التي تسنها سياسة المؤسسة التي يعملون بها لاختيار المادة الثقافية. ورغم أن القارئ يمارس حقه في الاختيار بين المطبوعات بشكل غير مباشر، وهو بحد ذاته يمثل تصويتا للمطبوعة بمجملها، إلا أن الديموقراطية التي تقوم عليها تقنية البحث في جوجل أكثر ديناميكية وشفافية في عرض الرأي الجمعي حول مادة ما.
مثل جوجل، تقوم تويتر بصناعة الثقافة بناء على أسس ديموقراطية أيضا. فمقابل أن يقوم الموقع بترشيح موقع آخر من خلال رابط الكتروني، يقوم مستخدم تويتر بإعادة نشر المادة الثقافية، بحيث يتم تدويرها من أكثر من مستخدم بما يشبه عملية ترشيح آنية تبلغ ذروتها في حدود بضع دقائق. وتتراوح إعادة التدوير، أو الترشيح، من مادة أقل من مئة وأربعين حرفا إلى كتاب بأكمله. وعلى نمط تويتر نفسه، يقوم الفيسبوك بترشيح المادة الثقافية بطريقة مشابهة. وفي كلتا الحالتين، تويتر وفيسبوك، تمنح شبكة التواصل الاجتماعي قدرة أكبر على تحقيق مفهوم الديموقراطية على أجزاء من العمل الثقافي وبشكل آني. أجزاء فسيفسائية من المشهد الثقافي المعاصر، في مقابل ما تحققه جوجل من ترشيح مواقع بأكملها.
عند استعراض المشهد الثقافي، وقنواته الإعلامية في الخصوص، يتبين أن التقنية تقوم بتمكين أفراد المجتمع في ممارسة حقهم في الاختيار والترشيح بشكل أدق. فمن الاختيار الذي يقوم به القارئ للمادة الثقافية من خلال مطبوعة ما بممارسة التصويت ضمن ما يمكن أن يسمى ديموقراطية اقتصاديات السوق، تأتي تقنية جوجل وتويتر وفيسبوك بإعطاء القارئ حقه في التصويت خارج اقتصاديات السوق، أي دون أن يكلف القارئ التصويت ماديا. فإن كان كثير من المحللين يرون تحول الثقافة إلى شبكة التواصل الاجتماعي نوعاً من تمكين الفرد من صناعة مادته الإعلامية أو الثقافية بنفسه، فإن المحفزات والتحديات التي تقوم عليها صناعة المادة الثقافية في الإعلام التقليدي ومجتمع شبكات التواصل الاجتماعي لم تتغير كثيرا. فإن كان الإعلام التقليدي يخضع لاقتصاديات السوق، فإن شبكات التواصل الاجتماعي هي الأخرى تخضع لاقتصاديات المرشح.
نقلا عن الرياض