في الـ 20 من شهر يناير 2017 أقسم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على الإنجيل إيذانا بتسلّمه رئاسة الولايات المتحدة، وألقى خطابا وصفه كثير من المحللين بالشعبوي، نظرا لما تضمنه الخطاب من عبارات خاطب بها الشعب الأمريكي باعتباره صاحب السلطة، «بدءا من اليوم»- كما قال- تنتقل السلطة من واشنطن إلى الشعب الأمريكي، ويلاحظ دغدغته مشاعر مؤيديه، والشعب الأمريكي عموما بإثارة المواضيع التي تمس حياتهم اليومية، وتلامس مشاعرهم، ومن أهمها الوعد بمحاربة الإسلام المتطرف- حسب قوله- واجتثاثه من على الأرض، ومع أنه لا يوجد ما يسمى بالإسلام الراديكالي، بل يوجد متطرفون في كل الأوطان، ومن كل الأديان إلا أن هذه العبارة قد تجد صداها عند البعض.
من القضايا التي طرحها، ولفتت انتباهي وعده بإعادة القوة، والثروة، والفخر لأمريكا، ولعله من المناسب التوقف لمناقشة هذا الوعد، فهذا الثلاثي تتكامل عناصره فيما بينها، فالثروة تحقق القوة إن أحسن استثمارها، وتوظيفها على الوجه المناسب، وهذا ما حدث في أمريكا، حين هاجر إليها الأوروبيون، حيث كانت أمريكا غنية بالذهب، والأرض الخصبة، والمعادن، لكن هذه الثروة لم يتم استغلالها إلا بعد أن قضى المهاجرون على الهنود الحمر السكان الأصليين، حتى تحولوا إلى أقلية يعيشون على هامش الحياة في الوقت الراهن، يراوح عددهم نحو المليون، بعد أن كانوا أكثر من 100 مليون.
القوة والسلاح الذي جلبه المهاجرون معهم مكنهم من القضاء على السكان الأصليين، واستثمار الثروات، حتى تحولت أمريكا إلى دولة صناعية ثرية قوية، شيدت صروح العلم والمعرفة، وأسهمت في المخترعات، حتى تبوأت مكانة عالمية عالية، تؤثر في قرارات العالم، بل تتحكم في مصائر دول ومجتمعات أخرى، وتمدد نفوذها حتى فرضت على دول عدة إيجاد قواعد لها، كما في اليابان، والفلبين، وألمانيا، والعراق، وأفغانستان. وما من شك أن هذا لم يكن ليتحقق لولا القوة الاقتصادية، والعسكرية، والسياسية، والمعرفة والتقنية التي غزت أسواق العالم.
القوة جلبت معها الثروة الهائلة نظير مبيعات السلاح، والاستشارات، والتدريب، واتفاقيات الشراكة مع كثير من الدول، وتوافر القوة، والثروة أوجد مفهوم ذات مرتفعا عند الأمريكيين، حتى إن الواحد منهم يفتخر بأنه أمريكي، بل إن الأمر انسحب على المتجنسين من دول أخرى، فتراهم يتباهون حين يحصلون على الجنسية الأمريكية، ويتعاملون باستعلاء مع الآخرين، حين يتعاملون معهم، أو حين يسافرون إلى دول أخرى سياحة أو عملا، وما يحدث من تصرفات الأمريكيين في الفلبين، والعراق، وأفغانستان يؤكد هذه الحقيقة، بل إن أمريكا تشترط على بعض الدول عدم إخضاع رعاياها لقوانين الدولة المضيفة مهما ارتكبوا من مخالفات للقانون وجرائم.
عاشت أمريكا عقودا طويلة في رخاء، وثراء، وتوافر لكثير من الثروات، إلا أنها في الفترة الأخيرة بدأت قوتها الاقتصادية في التراجع، مع أنها لا تزال تصنف بالأقوى اقتصاديا على مستوى العالم. ومع بروز دول أخرى على الساحة العالمية، كقوة منافسة، كالصين يأتي التزام ترمب بإعادة أمريكا دولة قوية، ثرية فخورة بذاتها، ومنجزاتها.
كما أشرت فإن العناصر الثلاثة متلازمة مع بعضها، فالقوة قد تحقق الثروة، والثروة قد تحقق القوة، والنتيجة الحتمية الفخر، إلا أن استخدام القوة للاعتداء على الآخرين، وسلب خيراتهم، كما حدث من الأوروبيين حين استعمروا إفريقيا، وبعض الدول العربية، والإسلامية لا يمكن أن يحقق فخرا، وهذا ما يعاب على أمريكا، وروسيا، والدول الأوروبية الاستعمارية، إذ القوة يفترض توظيفها لنشر الأمن، والسلام، لا لقتل الناس، كما أن إساءة استخدام القوة لا يحقق فخرا، بل إن الفخر يتحقق بامتلاك القيم الإنسانية الراقية، المحافظة على كرامة الإنسان، المحترمة للآخر في عقيدته، ومنهج حياته، المقرة بحقوق الآخرين للعيش بأمن وسلام.
هل يتمكن ترمب من الوفاء بوعوده؟ هذا لا يمكن الجزم به ما لم تغير أمريكا من سياستها في التعامل مع الآخر، والإقرار بأن له حقوقا وهوية وتاريخا، وميراثا، وترابا يعشقه كما يعشق الأمريكيون كل مكونات عناصر حضارتهم ويدافعون عنها. أمريكا لديها عناصر القوة المعرفية، والاقتصادية، والسياسية لكن هذه لا تحقق ما وعد به ترمب ما لم تتوافر الحكمة التي تضبط إيقاع التصرفات والقرارات، خاصة في التعامل مع الآخر.
نقلا عن الاقتصادية