لا يمكن تجاوز المعرفة التاريخية التي تتمتع بها المملكة حول اليمن، وهما يشتركان في حدود جغرافية تقترب من ألفي كيلومتر بتعرجاتها الجغرافية وتضاريسها المعقدة بين الجبال والسهول، التجاور التاريخي بين المملكة واليمن تراث طويل يؤهل المملكة بحجمها الواسع جغرافياً وسياسياً أن تعتبر اليمن عمقاً استراتيجياً للجزيرة العربية بأكملها من خلال صورة سياسية تجعل من اليمن دولة ناجحة لموقعها الاستراتيجي في خاصرة الجزيرة العربية.

السياق التاريخي بين اليمن والمملكة تشكّل تاريخياً عبر منظومة من القوانين والمعاهدات والمحادثات الدولية الراسخة، ولذلك فإن نشوء تشكيلات سياسية خارج إطار القانون مثل الحوثيين يعتبر مخالفة واضحة لمبادئ الشرعية في اليمن، وتشكيلات الحكومات اليمنية. هذه المعطيات توجب النظر إلى الموقف السعودي بعمق استراتيجي، والجهل بتاريخ العلاقات السعودية - اليمنية يجعل من التحليل السياسي لهذه الأزمة عملية لا تستند إلى أدلة واضحة.

الموقف السعودي في السياسة اليمنية يستند على أرض صلبة من التاريخ العميق، الذي رسم صورة دقيقة عن علاقات متينة جمعت هذين البلدين منذ العقد الثاني من القرن العشرين، ومع تلك الأبعاد فإن على الجميع عدم التعجب من الموقف السعودي الذي يعتبر اليمن دولة صديقة بعمق تاريخي راسخ، وهذا ما يجيب على تلك الأسئلة غير الدقيقة حول اهتمام المملكة بهذا البلد، والمساهمة في حمايته من كل محاولات الاعتداء على بنيته السياسية والتاريخية.

ما يحاول الحوثيون الوصول إليه في اليمن تهديد أيديولوجي، يحاولون أن يثقلوا به كاهل الوحدة اليمنية من خلال التشكيك بشرعية النظام القائم، وخلق الأزمات، وتحفيز الأفكار السلبية حول مستقبل اليمن، الذي يشهد اليوم محاولات فعلية من جانب الحوثيين لخلق النزاعات عبر تشجيع جميع الأفكار التي تخفف عليهم الفشل في إدارة اليمن بعد احتلالهم صنعاء، ومحاولة قتل الشرعية واستبدالها بمذهبية تسلطية مدعومة من الخارج.

التصورات البعيدة حول الاهتمام السعودي باستقرار اليمن وبنائه كدولة مكتملة لا تفصّل بحسب أي من الاتجاهات الجغرافية الأربعة (شمال، جنوب، شرق، غرب)، وهو اهتمام يصعب شرحه للآخرين، والدور السعودي التنموي والتطويري، والعلاقات الراسخة مع اليمن يمتدان لقرابة مئة عام، وهما ليسا وليد اللحظة أو في سياق مصالح استراتيجية مستحدثة، المنطقة والعالم كله يدرك ماذا تعني المملكة لليمن، وماذا يعني اليمن للمملكة، التي يوجب عليها التاريخ التزام مبادئ وقيم تساهم في استقرار خاصرة الجزيرة العربية عبر بناء دولة ذات استقرار لا تخضع لتدخلات أجنبية، كما تحاول إيران القيام به عبر الحوثيين.

الحالة اليمنية بالنسبة للمملكة ومن خلال تتبع تاريخي لسياق العلاقة بين البلدين لا تقبل التصورات المستحدثة؛ لأن الوجود الحوثي في خاصرة جزيرة العرب ينبئ عن نشوء مسارات عدوانية يمكنها أن توظف التاريخ بطريقة خاطئة، نتائجها خطيرة، الفهم الدقيق لليمن ينطلق من حقائق التاريخ، وليس من مستجدات الحوادث، والمملكة بتحالفاتها فيما يخص القضية اليمنية تعتبر هي الأكثر فهماً وتدقيقاً في معطيات تاريخية لا يمكن استثارتها لتحكم علاقة اليمن بالجزيرة العربية ودولها.

اليمن ليس متاحاً لخلط الأوراق والرجوع إلى الخلف، فالفرص السياسية داخل اليمن يمكن الحديث عنها، ولكن كل ذلك بشرط أساسي كما يبدو من الصورة السياسية التي تعرضها الأحداث، هذا الشرط يتمثل في الانتصار على الوجود الإيراني في اليمن الذي يمثله الحوثيون، ولا يمكن نقض هذا الشرط إلا من خلال استدارة فعلية للمشروع الحوثي بالقضاء عليه أو ليقبل بأن يكون أحد المكونات السياسية الرئيسة لليمن بأفكار وطنية وقومية صادقة، ليس لها مرجعية سوى الوطن اليمني.

خيارات اليمن السياسية متعددة وتلبي جميع الأطراف وكل الاتجاهات السياسية والقبلية والاستراتيجية لكل الدول التي تحيط باليمن، ولكن ذلك يصعب تحقيقه؛ لأنه يجب أن تسبق هذه العملية السياسية، عملية قاسية من ترويض المكون الحوثي، وإعادته إلى الواقع اليمني، واستبدال مشروعه ليتجه نحو الفضاء اليمني، وليس أبعد من ذلك.

لقد أدت هذه الأزمة التي افتعلها الحوثيون في اليمن إلى استبدال المعطيات التاريخية الراسخة التي بنى عليها اليمن مكانته منذ ما يقارب من عشرة عقود، وهذا متوقع، بل إن استنتاج الحالة اليمنية المستقبلية كان سهلاً بعد انقلاب الحوثيين على الشرعية، ووصول اليمن إلى ما هو عليه الآن بسبب الانقلاب الحوثي. معطيات التاريخ اليوم في اليمن تؤكد أن القضاء على هذا الانشقاق المفتعل من الحوثيين هو الأولوية بعيداً عن العودة إلى الوراء، والتفكير بطرق سياسية سلبية، لأن تغيير التاريخ أو التلاعب بمعطياته في اليمن ثمنه باهظ على الشعب اليمني.

نقلا عن الرياض