الجغرافیا قصص ووقائع وأحداث لا تروى إلا على ألسنة الأمكنة بعمرھا المدید الضارب في القدم، أو على ألسنة ھؤلاء الذین تربوا وترعرعوا
بین تضاریسھا، ونشأت بینھم وبینھا رابطة حب لا یمكن نزعھ من الروح، حتى لو عصفت ببعضھم ضروب الدھر ونأوا عن دارھم وأھالیھم.
.لكن ھذه الرابطة تظل تتغلغل في الروح شیئا فشیئا كلما تقادم الزمن
لكن بالنھایة، ألیس التاریخ مكملا للجغرافیا حین یكون الكلام مقصودا بھ الوطن؟ ألیس من الحكمة حین نروي لأطفالنا سیرة الوطن من خلال
محطاتھ الكثیرة: سیرة مؤسسھ الملك عبدالعزیز رحمھ الله، ومنجزاتھ في توحید أجزاء الجزیرة العربیة، سیرة الآثار العظیمة التي تحتویھا
!مدننا وصحراؤنا وجبالنا، أن تكون ھذه السیر والآثار ماثلة أمامھ في متاحف، یراھا مرأى العین، یتأثر بھا ویتفاعل معھا؟
نعم التاریخ مكمل للجغرافیا، فلا یمكن نشوء جیل سعودي یعي معنى أن یكون مواطنا من خلال تلقینھ ھذه التواریخ والآثار عبر المدرسة أو
البیت أو المجتمع ونكتفي بذلك، حتى لو بادرنا نحن في الكلام عن أھمیة التعرف على كل مدینة من مدن المملكة وما تحویھ من آثار وإمكانات
سیاحیة وثقافات متنوعة، فغرس بعض قیم المواطنة یبدأ من ھنا، من دفع فئة الشباب بالخصوص إلى التعرف عن قرب إلى تلك الثقافات
.والتعایش معھا
.صحیح أن ثمة روابط تاریخیة اجتماعیة بین مدن المملكة منھا روابط نسب أو صداقات عائلیة ومعارف عمل ومصالح مشتركة
.لكن ھذا لا یكفي، في ظني، نحن بحاجة إلى تجربة جیل بأكملھ في التعارف، ودعوني أوضح ما أقصده بمثال
الدولة خلال عقود من الزمن، استطاعت عبر مؤسساتھا ووزاراتھا، أن تصنع روابط وعلاقات بین أبناء مناطق المملكة المختلفة، والقائمة
بالأساس على التوظیف والعمل. وھذا أمر بدیھي كما یبدو للوھلة الأولى عند الكثیرین، حتى الشركات الأھلیة الكبرى تقوم بنفس الدور والمھمة
.وإن تفاوتت مساحات التأثیر
لكن الأمر لیس كذلك، فالتعارف بین مختلف فئات المجتمع السعودي من شمالھ لجنوبھ ومن شرقھ لغربھ، خصوصا للجیل الحالي الذي أغلبھ
شباب مفعم بالحیویة والعطاء وإثبات الذات، یحتاج إلى مبادرات وسیاسات مقصودة وموجھة، ولست أشیر ھنا إلى مركز الملك عبدالعزیز
.للحوار الوطني الذي من أھدافھ مثل ھذا التوجھ
.لكن ما أعنیھ بالدرجة الأولى یشمل مبادرات حكومیة وأھلیة تندرج ضمن المؤسسات التعلیمیة مختلفة المراحل
فمثلا لماذا لا یتم طرح مقررات دراسیة في الجامعات تحدیدا عن كل مدینة من مدن المملكة؟ بحیث تكون ھذه المقررات ذات محتوى تطبیقي:
زیارات أو إقامات مؤقتة بھدف التعرف على العادات والتقالید الاجتماعیة والثقافیة ومن ثم الكتابة عنھا أو على الأقل معرفتھا عن قرب
.والتفاعل معھا، وھذا لھ على المدى المتوسط والبعید مردود إیجابي على تشكل ھویة وطنیة راسخة الجذور
ربما یتساءل البعض أن مثل ھذا التوجھ، تنھض بھ وزارة الثقافة بالدرجة الأولى، فھي المعنیة الآن بھذه المھمة، بالخصوص مع تحقیق رؤیة
.المملكة بقیادة وزیرھا الأمیر بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود. نعم جزء منھ ھو كذلك
لكن المجتمع السعودي مترامي الأطراف ولھ عمق تاریخي، وتضاریسھ موزعة على مساحات شاسعة من الأرض، ومعرفة تفاصیلھ مشروع
.متعدد الاتجاھات والتخصصات یحتاج إلى تعاون الجمیع
نقلا عن صحيفة اليوم