كما هو معروف، هناك «عشرات» القرارات التي صدرت عن منظمة الأمم المتحدة، وسواء عن مجلس الأمن، أو الجمعية العامة فيها، على مدار العقود الثمانية الماضية، التي تتعلق بالعدوان الصهيوني على فلسطين، وما يعرف بـ«الصراع العربي - الإسرائيلي»، وحقوق الشعب الفلسطيني. والأغلبية الساحقة من هذه القرارات، التي يشار إليها بـ«قرارات الشرعية الدولية»، هي في صالح فلسطين (الفلسطينيين) والعرب. وهناك عشرات «مشاريع القرارات» التي كانت ستصدر عن مجلس الأمن، ضد الاعتداءات الإسرائيلية المتلاحقة، التي أعاق «فيتو» الولايات المتحدة الأمريكية صدورها. فالفيتو الأمريكي وفر غطاءً ودعماً سياسياً ظالماً وكريهاً، للاعتداءات الصهيونية، التي تجسدت في: قيام، ونمو، وتوسع، وعربدة إسرائيل. حيث قدمت أمريكا الدعم الأعمى لهذا العدوان، والتأييد المطلق له، وعملت على إفلات إسرائيل من أي عقوبة دولية، أو حتى إنسانية؛ الأمر الذي يجعلها «شريكة» فيه، إن لم تكن بطلته.
والواقع، أن الولايات المتحدة ليست القوة الدولية الوحيدة التي تدعم العدوان الإسرائيلي، وإن كانت القوة الرئيسية التي تقدم هذا الدعم اللا إنساني؛ فمعظم العالم الغربي يؤيد الكيان الصهيوني، وإن كان يؤيد، في ذات الوقت، قرارات الشرعية الدولية، الخاصة بفلسطين، ولكن تأييده لقرارات هذه الشرعية، التي ترفضها إسرائيل، بشدة ووقاحة، هو تأييد ضعيف، وغير جاد، بل هو تأييد كلامي استعراضي (تكتيكي) في أغلب الحالات.. هدفه ذر الرماد في العيون، لا أكثر.
ولهذه الحيثيات، يبدو أن معظم (إن لم يكن كل) قرارات الشرعية الدولية، الصادرة ضد السياسات الإسرائيلية، إنما صدرت لكيلا تطبَّق.. ولكيلا يضغط «المجتمع الدولي» -المهيمن عليه من قبل هذه القوى- لتطبيقها.. ولتبقى مجرد «قرارات».. يسعى الخيرون، ومن هي في صالحهم، لتطبيقها، ويتهرَّب من لم ترق له، من الأخذ بها، أو يماطل بشأنها ويقدم «تفسيرات» مغلوطة معينة لها، تتفق وما يرمى إليه، كما تفعل إسرائيل وأنصارها بهذه القرارات. إننا هنا نحاول أن نذكر فقط بهذه الحقائق المرة، وهذه العدوانية البشعة، المعروفة لكل المعنيين، عبر استرجاع ما جرى، لواحد من أشهر وأهم قرارات «الشرعية الدولية»، بخصوص قضية فلسطين؛ وهو القرار 194، لعام 1948م، وغيره، من قرارات مرتبطة لاحقة.
****
دفع لهذا التذكير وجود بوادر اتفاقات جديدة، وقرب احتفال العالم، بما يسمى بـ«اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني»؛ وهو يوم 29 نوفمبر من كل عام (صدق أو لا تصدق).. ففي هذا اليوم من عام 1947م، أقرت الأمم المتحدة «تقسيم فلسطين».. معترفة بذلك للإسرائيليين بجزء من الأراضي التي احتلوها اغتصاباً، من أهلها الشرعيين، الذين شردت نسبة كبيرة منهم إلى خارج ديارها. كانت قضية (مأساة) اللاجئين الفلسطينيين أهم النتائج غير المباشرة، لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947م، وهو قرار تقسيم فلسطين. وقد قامت الحرب العربية - الإسرائيلية الأمريكية، في مايو 1948م، نتيجة لهذه الأحداث. ولذا، أصدرت الجمعية العامة قراراها رقم 194، في 11/12/1948م مرادفاً لقرار تقسيم فلسطين. واشترطت الجمعية العامة على إسرائيل (وأنصارها) قبول القرارين 181/1947م، و194/1948م، كشرط للاعتراف الدولي بها، ولقبولها في عضوية الأمم المتحدة. وما زالت عضواً بهذه المنظمة، حتى الآن، رغم أنها ترفض -وبإصرار- هذين القرارين، وعشرات غيرهما.
****
ذلك، وغيره، يؤكد كون «الصهاينة» عصابات، لا يربط فيما بينها سوى: كراهية العرب، ومعظم البشر، واحتراف الإجرام، وحبك المؤامرات، والادعاءات الكاذبة. هم ليسوا أمة واحدة، بل تكتل إجرامي عدواني، هدفه التفنن في الإضرار بالإنسانية، ثم التباكي، وزعم أن ظلماً وقع عليهم، وهم أكثر الناس ظلماً وعدواناً على الآخرين. كما أنهم غدارون، ولا يوفون بالعهود، وكيانهم هو أكبر المخالفين للقوانين والأعراف الدولية، ففي معظم ما يقولونه، ويفعلونه، يكمن الخبث، والغدر، وسوء النوايا، بل إنهم يعترفون أنهم يستمتعون بظلم الآخرين (الأغيار) وتحقيرهم، ويستمرئون ابتزازهم، ونهبهم.
****
وينص القرار رقم 194 لعام 1948م (وهو القرار المنشئ لحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة لديارهم) على: «وجوب السماح للاجئين الفلسطينيين، الراغبين في العودة إلى ديارهم، العودة في أقرب وقت ممكن عملياً». و«دفع تعويضات عن أملاك الذين يختارون عدم العودة، وعن الخسائر والأضرار التي لحقت بالممتلكات التي يعوض عنها، بموجب القانون الدولي، أو تطبيق مبادئ العدل الطبيعية من قبل الحكومات، أو السلطات المسؤولة».
وعرفت منظمة الـ«اونروا» (UNRWA) -وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين في الشرق الأوسط- «اللاجئ الفلسطيني» بأنه: «الشخص الذي كان مسكنه الطبيعي فلسطين، لمدة عامين، على الأقل، بين 1 يونيو 1946م، الى 15 مايو 1948م، والذي فقد، نتيجة لحرب 1948م، مسكنه ووسائل معيشته، ولجأ إلى إحدى الدول. حيث تقدم الوكالة مساعداتها. وينطبق هذا التعريف، وأهلية تقديم المساعدة على الأولاد والأحفاد». ولقد تجاهلت إسرائيل هذا القرار تماماً، وبارك الغرب المتنفّذ هذا التجاهل، بل وزاد عليه، كما هو معروف، وكما سنوضح في المقال القادم.
نقلا عن عكاظ