خلال عام 2023 استثمرت الصين في الخارج 162 مليار دولار، وكانت السعودية هي الوجهة الأولى لهذه الاستثمارات حيث أتت في صدارة الدولة الجاذبة للاستثمارات الصينية، وذلك لعدة أسباب أهمها الحرب التجارية بين الغرب والصين لعبت دوراً بارزاً في تعميق التعاون الاقتصادي بين السعودية والصين. مع تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية من جهة، والصين من جهة أخرى، تبحث الشركات الصينية عن أسواق بديلة لتفادي العقوبات والحواجز الجمركية التي فرضها الغرب. السعودية، بفضل موقعها الاستراتيجي ومواردها الغنية، قدمت فرصة ثمينة للصين لتنويع استثماراتها وتعميق وجودها في منطقة الشرق الأوسط.
في ظل هذه الحرب التجارية، استفادت السعودية من التحول في توجه الشركات الصينية نحو الشرق الأوسط والجنوب العالمي، حيث زاد تدفق الاستثمارات الصينية إلى المملكة بشكل ملحوظ. الشركات الصينية التي تواجه صعوبات في دخول الأسواق الغربية بدأت تنقل عملياتها إلى السعودية وغيرها من الدول النامية، مما أسهم في تعزيز الاقتصاد السعودي وخلق فرص عمل جديدة. على سبيل المثال، شركات التكنولوجيا والطاقة المتجددة الصينية وجدت في السعودية بيئة مشجعة لتنفيذ مشاريعها التي كانت ستواجه عقبات في الغرب. هذا التعاون يعزز من قدرة السعودية على تحقيق أهدافها الطموحة في رؤية 2030، في ظل تحديات اقتصادية وجيوسياسية عالمية.
من الأسباب الأخرى لأن تكون السعودية هي الوجهة الأولى للاستثمارات الصينية في الخارج هو الموقع الجغرافي الاستراتيجي للسعودية حيث يلعب دوراً كبيراً في جذب الاستثمارات الصينية. فالسعودية في قلب منطقة الشرق الأوسط، مما يجعلها جزءاً مهماً من مبادرة «الحزام والطريق» التي أطلقتها الصين لتعزيز الروابط التجارية بين آسيا، أفريقيا، وأوروبا. هذا الموقع الفريد يتيح للصين فرصة الوصول إلى أسواق جديدة عبر السعودية، ويعزز من مكانة المملكة كمركز لوجيستي وتجاري في المنطقة. إضافة إلى ذلك، رؤية السعودية 2030 تعد أحد المحركات الرئيسة لجذب الاستثمارات الصينية. هذه الرؤية تهدف إلى تحويل الاقتصاد السعودي من الاعتماد على النفط إلى التنويع الاقتصادي، من خلال تطوير قطاعات جديدة مثل السياحة، التكنولوجيا، والترفيه. الصين كانت سريعة في الاستجابة لهذه الفرص من خلال استثمارات كبيرة في مشاريع مثل نيوم، المدينة الذكية التي تمثل أحد أعمدة رؤية السعودية 2030.
الاستثمارات الصينية في السعوديةتشمل مجالات عدة، من بينها الطاقة المتجددة، حيث تعمل الصين على دعم مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في المملكة. السعودية تسعى لأن تكون مركزاً عالمياً للطاقة النظيفة، وهذا يتماشى مع توجه الصين للاستثمار في تكنولوجيا الهيدروجين والطاقة المتجددة. أيضاً، قامت السعودية بإصلاحات تشريعية كبيرة في إطار رؤية 2030 لتسهيل دخول المستثمرين الأجانب، بما في ذلك تخفيف الإجراءات البيروقراطية وتقديم مزايا ضريبية، مما يجعل المملكة وجهة جاذبة للشركات الصينية التي تبحث عن فرص استثمارية جديدة خارج حدودها. إلى جانب الموقع الجغرافي ورؤية 2030، هناك عامل آخر يسهم في تعزيز الاستثمارات الصينية في السعودية وهو العلاقات الثنائية الوثيقة بين البلدين. العلاقات السياسية بين السعودية والصين شهدت تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، مع زيارات متبادلة بين قادة البلدين واتفاقيات ثنائية في مجالات التجارة والاستثمار. هذه العلاقات المتينة تخلق بيئة استثمارية مستقرة وتدعم تدفق رؤوس الأموال بين البلدين. فالصين تستثمر في عديد من المشاريع الضخمة في السعودية، هذه المشاريع تعزز من الترابط الاقتصادي وتسهم في تحسين البنية التحتية في المملكة، مما يعزز من جاذبيتها كوجهة للاستثمارات الأجنبية.
الاستثمارات الصينية في السعودية في نمو دائم وذلك يفسر اهتمام القيادة بتعليم اللغة الصينية في مدارس التعليم العام وابتعاث المعلمين للصين لتعلم اللغة الصينية، واستقطاب كفاءات تعليمية من الصين لتعليم طلابنا اللغة الصينية التي ستكون هي المفتاح لكسر الحواجز الثقافية واللغوية في التواصل مع الصينيين القادمين للاستثمار والعمل على المشاريع، وكما يقول المثل الصيني، «إذا أردت أن تزدهر لمدة عام، ازرع حبوباً، إذا أردت أن تزدهر لعقد، ازرع أشجاراً، وإذا أردت أن تزدهر لمئة عام، ازرع الناس»
نقلا عن الوطن السعودية