في الأزمان الماضية تداخلت الأثمان والمعايير لأبناء المجتمع وصار الأغلى ثمنا في المجتمع هم فئات لا تقدم للمجتمع سوى أنها أصبحت مثل بعض شركات الأسهم أيام الطفرة الاقتصادية للأسهم تباع وتشترى بأثمان غالية بينما هي لا تساوى شيئا.
لو سألت فرداً كم تساوي قيمة الإنسان لو أردنا بيعه بالمال فمن المؤكد انه سوف لن يقول لك ثمنا بخسا بل سيكون الثمن مرتفعا لأن كل إنسان وبشكل طبيعي يعتقد أن قيمته الحقيقية لا يمكن الوصول إليها بالأرقام، عندما يقوم المجتمع بمنح هذه القيمة لكل فرد من أفراده فإن المعايير تختلف بحسب الزمان والمكان.
قبل عقود ليست بالبعيدة كان المتشدد والمتطرف في آرائه ، والصحوي والمتدين اجتماعيا وليس عقديا ثمنهم في المجتمع أكثر من غيرهم فهم في تلك الأزمان يساوون وزنهم ذهبا ولكن هذه القيمة هل كانت حقيقية أم غير ذلك..؟ هذا السؤال يتطلب منا أن نتعلم كيف نجيب عنه.
مررنا في زمن كانت قيمة القادم من أفغانستان تساوي قيمة عشرات الأطباء الاستشاريين بل كانت تساوي قيمة عشرات الطيارين والمهندسين وكأننا مجتمع يعشق أن يكون لغيره.
في الأزمان الماضية تداخلت الأثمان والمعايير لأبناء المجتمع وصار الأغلى ثمنا في المجتمع هم فئات لا تقدم للمجتمع سوى أنها أصبحت مثل بعض شركات الأسهم أيام الطفرة الاقتصادية للأسهم تباع وتشترى بأثمان غالية بينما هي لا تساوى شيئا.
لقد غاب الثمن الحقيقي للمواطن لأنه انتزع من وطنه فكريا بينما هو يعيش على أرضه فغاب المواطن الذي كان همه الأول والأخير أن يكون وطنه هو الأفضل والأحسن بين المجتمعات فلم يكن المواطن الحقيقي بين شركات الأسهم الفكرية التي سادت وتصاعدت أثمانها ولا زال بعضها متواجداً. لقد غاب المواطن الحقيقي ورخص ثمنه لأنه لم يكن ضمن أسهم الإخوان أو الجهاديين أو المتطرفين أو الصحويين.
لقد كان الاقتصاد الفكري في المجتمع قائما على منتجات واستثمارات معظمها خارجية ولم تكن وطنية في نشأتها بل كانت رؤوس أموال فكرية استثمرت بالطاقة البشرية في المجتمع، وأصبحت صناعة تحويلية تنتج أفكارا مختلفة.
لقد كان خوفي، ولا يزال، أن المجتمع سوق اقتصادية لكثير من الأفكار التي وجدت لها رواجا كبيرا دفعنا ثمنه عندما بلغت قيمة المنتج الفكري أثمانا عالية تمثلت بفرد له هيئة معينة وشكل محدد وأفكار صارمة يفرضها على من يريد.
التسويق والإنتاج لهذه الأفكار كانا يتجهان أولًا إلى المجتمع نفسه فقد سوقت الأفكار والمنتجات في سوق المجتمع واقتصاده وبين أفراده وصار الأغلى ثمناً من أفراد المجتمع هو من يستهلك شيئا من تلك الأفكار والمنتجات ويمارسها بل وصل الأمر إلى تصدير تلك الأفكار عبر بعض الأفراد، وذهب الكثير من أبناء المجتمع إلى خارجه ليسوقوا شيئا من أفكار ابتُلي بها المجتمع بعد أن غررت بهم تلك الأفكار التي جاءت إليهم من مصادر ومصانع خارج مجتمعهم.
جميعنا يتذكر كيف كانت سوق الأفكار رائجة قبل عقود وكانت الأم والأب يعتقدان أن ابنهما سوف يكون الأغلى ثمنا بين إخوانه لو اعتنق شيئا من تلك الأفكار وتشدد في مسيرته وأصبح متديناً ولكن على طريقة الصحويين، لقد كان سم تلك الأفكار خطيرا فقد وضع بطريقة مخيفة مخلوطا مع أقدس ما يملك المجتمع من قيم ألا وهو التدين الطبيعي القائم على أسس ومنهجيات معتدلة.
أتذكر يوما أنني حضرت نقاشا حادا يطرح فيه احد المتحاورين فكرة أن الصحوة وهي أحد مصانع الأفكار في المجتمع هي التي أنقذت المجتمع من غيبته، فرد الآخر هل كان آباؤنا وأجدادنا على خطأ حتى نصحو بعدهم..؟! بعد ذلك الحوار الكبير فهمت أن الأفكار المؤدلجة يمكن تحليلها كنظريات اقتصادية أيضا بحيث تعتمد على التسويق والإنتاج والعرض والطلب بل إنني فسرت لماذا استهلك المجتمع تلك الأفكار دونما وعي أو إدراك لماهية المنتج الذي أمامه، لقد كانت الدعاية والتسويق الجيد لتلك الأفكار هما مصدر انتشارها وعلى الأخص أنها وجدت بيئة جاهزة لاستقبالها.
إن أفكار الصحوة والتشدد لم تقنع جميع أفراد المجتمع بأهميتها أو ضرورة تحقيق أهدافها ولكنها غيرت وبطرق ماهرة سلوك المجتمع، وفرضت عليه قيودا فكرية تشبه إلى حد كبير قيود التمويل المالي الذي تقدمه البنوك إلى الأفراد.
لقد موّلت الصحوة وبشكل سريع الكثير من الأفراد في المجتمع بالمكانة الاجتماعية وبالقيادة والإرشاد والتوجيه ومنحتهم قيمة اسمية في المجتمع تفوق قيمتهم الحقيقية مما جعلهم مدينين لها ومتورطين بأقساطها ولا يستطيعون التأخر عن سداد أقساطها والمتمثلة بقيامهم بتحقيق أهداف هذه الصحوة وغيرها من الممارسات الفكرية وجلب مستهلكين جدد إلى سوق الأفكار.
لقد أصبح السهم في سوق تلك الأفكار يساوى الشيء الكثير اجتماعيا بل إن بعض الأفراد الذين لم تستطع الأفكار الصحوية خدمتهم اجتماعيا لكونهم يملكون مكانة اجتماعية سابقة هؤلاء الأفراد خلقت لهم تلك الأفكار الصحوية مسارا لتسويقهم اجتماعيا حتى وإن كانوا بعيدين عن الانتماء إلى الصحوة أو التشدد بشكل مباشر .
لقد ابتدعت الصحوة والتشدد في المجتمع طرقا كثيرة لجعل الأغلى ثمنا هو المنتمي إليها ومنها الانتماء المباشر حيث يتحقق للفرد في هذا الانتماء ميزات اجتماعية مباشرة كرفع مكانته الاجتماعية كونه منتميا إلى الصحوة وفرضه على المجتمع والدفاع عنه من خلال جميع الوسائل المتاحة الجائز منها وغير الجائز.
أما الشكل الآخر من منتجات الصحوة فهو موجه إلى فئات الاقتصاديين وأصحاب المواقع الرسمية في الجهاز البيروقراطي وكل من له نفوذ في المجتمع حيث تتكفل الصحوة لمثل هؤلاء بتحسين السمعة لهم اجتماعيا ولكن بشرط تقديم خدمات إما مالية أو غيرها مثل الواسطة وتسهيل الإجراءات والتجاوز عن المتطلبات البيروقراطية ونحوها.
على سبيل المثال مَن قدم الدعم الأكبر سواء للمحاضرات أو الحلقات أو الرحلات أو الكتيبات وطباعتها يتم ترويجه في المجتمع بأنه من أهل الخير والصلاح فالخير والصلاح مقرونان بكم المال أو نوع الدعم الذي يقدم بغض النظر عن أي شيء آخر وبما أن الدعاية التي تتوفر للصحوة وغيرها من المنتجات الفكرية في المجتمع تستثمر العامة والبسطاء الذين يصدقون من يتحدث معهم بلغتهم وبساطتهم وعلى الأخص تلك اللغة المقرونة بالدين ، فقد كانت هذه الدعاية كفيلة بقلب الموازين.
لدينا في المجتمع أمثلة كثيرة. ولو تتوقف الآن عن قراءة هذا المقال وتفكر بشيء واحد تنطبق عليه هذه الفكرة السابقة، فسوف تجد انك تملك الكثير من الأمثلة على ما أقول فكم من المنتجات الاقتصادية بجميع أشكالها وقيمها تم الترويج لها اجتماعيا لأسباب تتعلق بالدعم المباشر.
الآن وبعد حوالي ثلاثة عقود مضت وبعد انهيار الكثير من تلك الأفكار وعلى الأخص بعد الأحداث السبتمبرية والتي تعتبر يوم الانهيار العالمي لكل أفكار التشدد يجب طرح السؤال مرة أخرى : من هو الأغلى ثمناً في المجتمع...؟ الأغلى ثمناً في المجتمع بالأمس هو قيمة انهارت مع انهيار الأسهم الفكرية وتبين أنها تستثمر في المجتمع بشكل سلبي ولكنها لم تترك يوما بنية اقتصادية فكرية لصالح المجتمع بل لقد هربت.
لقد حان الوقت ليكون المواطن الحقيقي الذي يحمل همّ وطنه بين عينيه ويحمل همّ تنميته ورفعته هو الأغلى ثمناً وليس من يدعى انه وصي على كل فرد من الناس، هناك الكثير من المحاولات لجعل الأغلى ثمناً يعود بنفس معاييره السابقة وميزاته السابقة ولكن ذلك لا يعدو كونه محاولات لن يكتب لها النجاح .
نقلا عن الرياض
- الأعلى للثقافة يستضيف جائزة الشارقة للإبداع العربي – الإصدار الأول في الدورة (27) العام 2024
- الصندوق السعودي للتنمية يوقّع اتفاقية تنموية لدعم المؤسسات المتوسطة والصغيرة بسلطنة عمان
- وزير العدل السعودي يوقّع مع نظيره في هونج كونج مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون العدلي
- استقبال أسواق المملكة العربية السعودية للبصل المصري
- جامعة الملك عبدالعزيز تنافس 1000 ابتكار في معرض جنيف الدولي للاختراعات
- صندوق الاستثمارات العامة ومجموعة stc يوقعان اتفاقيات نهائية لتشكيل أكبر شركة لأبراج الاتصالات في المنطقة
- وزير الخارجية الصيني: القبول الفوري لفلسطين في الأمم المتحدة خطوة لتصحيح الظلم التاريخي
- للمرة الثانية على التوالي النقد الدولي يرفع توقعاته لآفاق الاقتصاد السعودي ليصبح الثاني عالمياً لعام 2025
- نائب اتحاد المصريين بالسعودية: لا حج بدون تأشيرة أو تصريح للمقيمين بالمملكة
- الأمم المتحدة تطلق نداء لجمع 2.8 مليار دولار لصالح فلسطين
من هو الأغلى ثمناً في المجتمع؟!
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.alwakad.net/articles/48322.html