ثمة محاولات كثيرة لإحداث اختراقات في مشهد التوقف أو التخلف للحاق بركب التقدم العلمي والاقتصادي ... ثمة محاولات تبذل بغض النظر عن سلامة التوجه من ناحية الآليات المناسبة، لا الأهداف الكبرى لتلك المشروعات... وثمة أيضا تعطيل سمته حالة ممانعة قد يكون مصدرها ثقافيا اجتماعي، أو قلقا من فكرة التحول ذاتها. أو تتحرك على الصعيد الوطني مشروعات كبرى، من مدن اقتصادية إلى جامعات لافتة إلى مراكز بحث متقدمة إلى مستشفيات ومراكز تطبيب متطورة إلى شركات ومشروعات رأسمالية كبرى.. ومهما بلغت القراءة النقدية لآليات التطوير.. ومهما كانت الأسئلة حول مدى قدرتها على إحراز تقدم حقيقي وبمستوى التطلعات التي تبشر بها.. فهذا لا يطاول أهميتها من ناحية المضمون والأهداف التي ترمي للوصول إليها.
وعلى مستوى اختراق السعوديين لمجالات عمل دقيقة يكفي أن تدخل أحد المستشفيات الكبيرة لتشاهد أطقما كاملة من موظفين أكفاء من أطباء وفنيين وموظفي استقبال من الجنسين. أما زيارة أي جامعة كبرى اليوم، والاطلاع على نشاط مراكز البحوث والتميز فستكتشف أن هناك تأسيسا ممكنا لوضع قضية البحث العلمي في صلب مشروع كبير عنوانه التنمية على رافعة البحث والتطوير. وستجد أن أساتذة البحث من السعوديين والسعوديات هم من يقود هذه المشروعات العلمية.
عالمات وطبيبات حققن انجازات كبيرة في مجال اختصاصهن. سيدات أعمال يدرن مشروعات بعشرات ومئات الملايين.. ومبتعثين ومبتعثات حققوا نتائج لافتة في مجال دراستهم واختصاصهم .
وفي خضم هذا المشهد سترى أيضا اتفاقات دولية مع كبريات الجامعات في الغرب، والشركات الكبرى، واتفاقيات تعاون مع مراكز متقدمة بما يحقق قيمة مضافة لعملية تنمية تتحرك باتجاه البحث عن مصادر المعرفة ومصادر التقنية المتقدمة..
إذن ثمة محاولات اختراق عبر مشروعات ربما لم تؤت ثمارها بعد، إلا أنها تعبر عن حالة حراك في بلاد يفترض أن تبحث لنفسها ولأبنائها عن فرصة أفضل في عالم لا يعترف إلا بقدرة المجموعات البشرية على تحقيق عوائد منتجة واقتصاديات متقدمة وتطوير كفاءات مؤهلة.
وبالمقابل ستجد انشغالات مجتمع غارق في جدلية معطلة، فما زالت قضية قيادة المرأة للسيارة تستعاد بشكل ممل ... ومازالت قضايا تكافؤ النسب بالعودة للبحث في جذور القبيلة لا بتكافؤ العقل والتأهيل والعلم حاضرة ... أما قضية السحر والسحرة فأصبحت عنوانا فاضحا لمجتمع مأزوم يهرب من مواجهة مسؤولية الإخفاق برمي تبعاتها على الجن المتسلط عليه وحده. وهناك عالم غارق بالأحلام وتفسير الأحلام والهروب للأحلام حتى وصل إبداع بعض مستثمري الأحلام لإنشاء أكاديمية لتفسير الأحلام، فسوق الأحلام تستحق مثل هذا الصرح العلمي الذي سيقف جنبا إلى جنب بجوار مراكز التميز والبحث المتقدمة!!
وكلما فتشت ستجد مزيدا من التناقضات بين عالمين... عالم يعقد الاتفاقيات مع مراكز البحوث العالمية في ارقى الجامعات لمزيد من التعاون من أجل بحوث النانو تكنولوجي.. عالم يبشر بواد للتقنية، وعالم يجمع مرضاه النفسيين في (حوش) مغلق تستخدم فيه الكهرباء - هبة العالم الصناعي - لملاحقة الجان في الأجساد المنهكة!! عالم تطالعك فيه باحثة سعودية في مجال تخصصي نادر باكتشاف يعترف به عالم متقدم ويبذل له المزيد من الامكانات لتحقيق اختراقات علمية متعددة ... وعالم تطالعك فيه مريضة سعودية بائسة تصعق حتى الموت عقابا للجان الذي اقتحم جسدها المنهك حتى الهذيان.
وتمتد تلك التناقضات لتصل إلى قضايا تمس الإنسان سلوكا ومعيشة وحقوقا وكرامة.. ولن يكون التناقض الاقتصادي بين عالمين سوى سمة مسافات بدأت تأخذ أبعادا خطيرة ليست في صالح مجتمع ناهض أو يحاول النهوض. كلما بعدت المسافات بين الشرائح الاجتماعية بين مستويات الغنى الفاحش والفقر المدقع فهناك حتما مشكلة تتطلب الحل والحل السريع لأنها تراكمية بطبعها، ولا تخلّف سوى الأمراض الاجتماعية والأخلاقية.
وعندما يكون علاج بعض مشكلات وقضايا المجتمع وعلى الأخص فيما يتعلق بالعمل وتوفير فرص الحياة الكريمة، وللمرأة بالذات التي تكاد تنحسر فرصتها ... مرتهناً لهاجس القلق من الآثار الجانبية التي قد تحدث وقد لا تحدث، بينما يتم تجاهل الخلل الكبير ستكون حتما التناقضات صارخة وقاتلة أيضا.
ولن تكون قضية المرأة (الكاشير) هي آخر تلك القضايا في وسط هذه التناقضات. وإذا كانت المرأة (الكاشير) هي محاولة اختراق حالة عطالة وفقر اقتصادي وحاجة ملحة فلن تحلها فتوى عدم جواز طالما لم تقدم ما يطعم الأفواه الجائعة ويوفر كرامة الحياة للأحياء. وهي ليست بعيدة عن قضية المرأة العاملة في مراكز البيع الخاصة بملابس النساء الداخلية... ومع كل هذا لم يحُل هذا دون أن تظل تلك المرأة تعمل على الرصيف في كل مكان تستطيع أن تكسب منه قوت يومها. تناقضات لا محل لها في عقل مؤسَّس على محاولة فهم الغاية طالما أنها تعمل سواء على الرصيف في ظروف غير إنسانية، وهي تنشر بضاعتها الفقيرة أو في محل مغلق مهيأ يتعاطى مع المرأة وحدها وفي احتياجها الخاصة جدا.
وفي وقت تنجح المملكة في بلوغ عضوية المجلس التنفيذي لجهاز الأمم المتحدة الجديد المعني بشؤون المرأة، وهو مجلس يشرف على جميع برامج منظمة الأمم المتحدة المعنية بتعزيز حقوق المرأة ومشاركتها الكاملة في الشؤون العالمية !! تعاني المرأة في الداخل من التباسات فتوى تحد من قدرتها على توفير حق طبيعي في الحياة، وهو حق العمل وضمن شروط لا تنتهك كرامتها، ولا تجرح تدينها ولا تجعل منها بضاعة رخيصة طالما كانت قادرة على الكسب وتحقيق قدرتها على إثبات وجودها كائنا منتجا ومكتسبا بجهده وعمله وفي إطار يحترمه مجتمعها.
البحث خارجيا عن تعزيز حضور المملكة في عضوية مهمة تتعلق بالمرأة كيانا وحقوقا، والوقوع داخليا في حالة ارتباك وتناقض تهز صورة المملكة خارجيا حتى عدم الثقة بقدرتها على الانسجام مع شروط لابد من توافرها لملء هذا المقعد المهم والمؤثر.
لن يحدث اختراق حقيقي ملتزم بضوابط قيمية وأخلاقية وشرعية على كل المستويات طالما حملنا هذا العبء الكبير من التناقضات. ولن يحدث هذا الاختراق إلا عبر رافعة مشروع حقيقي منسجم ومحروس، يجعل التوجه نحو البحث عن حلول لمجموع بشري سيصل الأربعين مليونا خلال عقدين حسب التقديرات بمنأى عن هذا الفيض الوافر من التناقضات التي هي سمة دائمة للتعطيل.
كيف يمكن بناء مجتمع سليم في وسط هذه التناقضات؟ كيف نرى أنفسنا اليوم ويرانا هذا العالم ؟ كيف نقنع أنفسنا أننا أمة قادرة على استلهام دينها الصالح لكل زمان ومكان ويملك القدرة على مواجهة قضاياه الداخلية بحلول ناجعة لا بسيف المنع والتغليظ وحده.
التقدم الذي يستهدفه مشروع حقيقي وناجز يجب أن يعالج كحزمة واحدة. هل يمكن حصاد نتائج مشروعات كبرى متقدمة بينما يعيش المجتمع حالة تناقض في ابسط مفاهيم وحقوق التعامل مع قضايا مواطنيه؟! أما التعامل مع قضايانا على طريقة ردود الفعل عبر سيف المنع أو الصمت أو الترحيل، ودون إبداع الحلول المناسبة عبر برامج وطنية حقيقية محروسة فسنظل نعلق قضايانا باستمرار ، ونعاني نتائج تناقضاتنا إلى أمد غير منظور.
نقلا عن الرياض
- الجزائر وقطر توقعان اتفاقية لإنتاج الحليب المجفف بتكلفة تفوق 3.5 مليار دولار
- تسليم الفائزات بجائزة الأميرة نورة للتميُّز النسائي
- الورد يستهدف إنتاج ملياري وردة بحلول 2026م
- الجامعة الإسلامية بالمدينة تنظم “مهرجان الثقافات والشعوب” الثاني عشر
- اكتشاف 454 كويكبا جديدا في النظام الشمسي
- اللجنة الوطنية للأسماء الجغرافية تعقد اجتماعها التاسع في الجيومكانية
- توسعة وتطوير مطار الأحساء الدولي ومطار الرس
- المجمع الفقهي الإسلامي يصدر قرارات وبيانات في عددٍ من القضايا والمستجدات في ختام دورته الـ 23 clock-icon الثلاثاء 1445/10/14
- الأعلى للثقافة يستضيف جائزة الشارقة للإبداع العربي – الإصدار الأول في الدورة (27) العام 2024
- الصندوق السعودي للتنمية يوقّع اتفاقية تنموية لدعم المؤسسات المتوسطة والصغيرة بسلطنة عمان
تناقضات مجتمع … وعوائق الاختراق!!
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.alwakad.net/articles/48382.html