في كلمته الافتتاحية لندوة «المنشآت الصغيرة والمتوسطة» التي عقدت أوائل شهر نوفمبر الحالي في الرياض، انتقد محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي الدكتور محمد الجاسر ضعف مساهمة تلك المنشآت في الاقتصاد السعودي مقاسة بالناتج المحلي الذي لا تتجاوز مساهمتها فيه 33% من «إجمالي مساهمة القطاع الخاص» في حين يبلغ الناتج في دول أخرى 57%. وعزا الجاسر هذا الضعف في المساهمة إلى «ضخامة القطاع النفطي والقطاع العام» بوصفهما المحرك الرئيسي للنشاط الاقتصادي. وطالب بإبراز أهمية العمل على تحسين وضع تلك الشركات وتوفير وسائل التمويل اللازمة لها لتفعيل دورها في المستقبل.
ثم استعرض الجاسر بعض التعريفات المتداولة عالميا وفي المملكة للمنشأة الصغيرة والمتوسطة بحسب حجم المبيعات أو القوة العاملة أو غيرها من التصنيفات المختلفة. وأورد الجاسر بعض نسب المشاركة لهذا النوع من المنشآت في اقتصاديات بعض الدول الأخرى منها أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة تساهم بنحو 99.8% من إجمالي ناتج منشآت الأعمال وما نسبته 60% من القيمة المضافة
و 70% من التوظيف.
والحقيقة أن كل هذا الكلام جميل فهو يدل على أن بعض المسؤولين يتلمسون بشكل جيد بعض نواحي القصور الهيكلي في التركيبة الاقتصادية الوطنية ويسعون لإصلاحها. ولكن تبرير ضعف مساهمة هذه المنشآت الصغيرة والمتوسطة بضخامة القطاع النفطي والقطاع العام هو تبرير يحتاج إلى إعادة نظر لأن نسبة المساهمة التي أوردها المحافظ منسوبة للقطاع الخاص وليس للاقتصاد ككل إلا إذا كان المحافظ يتعامل مع القطاع النفطي بأنه «قطاع خاص» وهذه إحدى الإشكاليات المبدئية الكبرى في تعريفات الاقتصاد السعودي وتحديد مفاهيمه المختلطة. ولذلك يجب عند التحدث عن مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في القطاع الخاص قياسها بالنسبة لمجمل النشاط الاقتصادي في ذلك القطاع مع استبعاد القطاع النفطي الذي تستبعده إحصاءات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات في وزارة التخطيط والاقتصاد وتتعامل معه كقطاع مستقل.
أما اختزال مسألة ضعف المساهمة بحصرها في التمويل وضرورة توفيره من صندوق التنمية الصناعية وقروضه المتخصصة ضمن نظام «كفالة» ففيه تسطيح كبير لحجم المشكلة وأبعادها. فالقضية تتعدى التمويل إلى الخلل الهيكلي في نظام المنافسة وفي تطبيق قوانين منع الاحتكار، بافتراض وجودها.
ففي دول الاتحاد الأوروبي التي يعتبرها المحافظ نقطة مرجعية للمقارنة لا يسمح للمجموعات التجارية الكبيرة بالتوسع الأفقي في مختلف الاتجاهات دون روابط أو روادع لسحق الصغار وإجبارهم على الخروج من السوق كما يحدث كل يوم في بلادنا. أنظر إلى عدد السجلات التجارية وعدد المنشآت العاملة فعلا تجد أن السجلات في تصاعد كل عام والمنشآت العاملة فعلا في تناقص. وحتى لو كانت في تزايد فهي في معظمها من القادمين الجدد لأن القدامى لن يتمكنوا من الصمود طويلا حتى لو توفرت مصادر التمويل التي أشار إليها المحافظ.
في بلادنا يسمح بنظام المجموعات التجارية بطريقة غريبة فمجموعة من الملاك أو مالك واحد يمكنه أن يدير منشأة للتشييد والبناء وأخرى لبيع قطع الغيار وكشكا لبيع الصحف في الكورنيش وكلية جامعية وورشة سيارات وكل ما يخطر بباله. وهنا سأضرب مثالا لتوضيح ما يجري. أعلنت إحدى الشركات المعروفة عن حاجتها للتعاقد لتركيب شبكة اتصالات محلية صغيرة لا تتجاوز تكلفتها (60) ألف ريال. ليفاجأ أصحاب المنشآت الصغيرة المتقدمون للمناقصة بفوز مجموعة إنشائية كبرى بذلك العقد الضئيل في مجال تكنولوجيا المعلومات الذي يمثل كل شيء بالنسبة للصغار ولكنه لا يمثل شيئا بالنسبة للمجموعة الكبيرة. وبالتحقق من خلفية الموضوع تبين أن المجموعات التجارية الكبيرة كلها وليست هذه المجموعة فحسب تفرض المشاركة على الشركات الصغيرة التي تطلب أعمالا منها أو أنها تعطيها اسمها على سبيل تقديم خدمة لأحد من الجماعة إذا لم يكن من الجنسية السعودية. وهكذا يتقدم هذا الصغير للمناقصات الصغيرة باسم المجموعة الكبيرة لينافس المنشآت الصغيرة على فتات المشاريع.
طبعا أنا لا ألوم ملاك المجموعات الكبيرة على مثل هذه الممارسات لأن من يترفع عن العقود والمكاسب الصغيرة لن يفلح في الفوز بالعقود والمكاسب الكبيرة، ولكن اللوم يلقى بالكامل على كاهل النظام والمسؤولين عنه الذين جعلوا فيه مثل هذه الفجوات الكبيرة التي لا تترك للصغير فرصة للتنفس.
ولذلك قبل الحديث عن التمويل يجب النظر في إعادة تنظيم محتوى المجموعات التجارية والصناعية الكبيرة ومنعها من التمدد العشوائي المؤذي وإعادة تشكيلها بشكل واضح بناء على النشاطات المترابطة لا على رغبات الملاك. كما يجب العمل على منع التستر تحت أسماء المجموعات الكبيرة لأن هذا يعطي المستترين ميزة لا تتوفر للعاملين بشكل مستقل وهي ميزة الاستفادة من تصنيف المجموعة الكبرى لدى الجهات المختصة التي تطلب تصنيفا معقدا من المتقدمين لمناقصاتها وعقودها وهو ما يعتبر من أصعب الأمور للمنشآت الصغيرة ما أدى إلى ضرورة شرائها لأسماء مجموعات كبيرة مصنفة أو قبولها بشروط مشاركة مجحفة أو اكتفائها بعقود لا تصل مطلقا للملايين ودخولها في صراع غير متكافئ مع المجموعات الكبيرة ومن ينضوون تحت أجنحتها. وعادة ما ينتهي مثل هذا الصراع بإفلاس المنشأة المتوسطة أو الصغيرة وانضمام ملاكها والقائمين عليها إلى طوابير العاطلين عن العمل.
وللقضاء على ظاهرة الأفيال التي تتحول إلى نمل مزيف لطرد النمل الحقيقي عن فتات سكّر السوق لا بد من إعادة تعريف المنشأة الصغيرة والمتوسطة بشكل واضح وتحديد فئات العقود التي يجب أن تقصر عليها ولا يسمح للمجموعات الكبيرة بمنافستها فيها تحت أي ظرف من الظروف. وعندها فقط سينسل المستترون من تحت أجنحة المجموعات الكبيرة ليعودوا إلى حجمهم الطبيعي لتستعيد السوق توازنها وتتكافأ فيها الفرص من جديد..
وهكذا يا معالي المحافظ يمكن أن نرى أن المسألة تتخطى مجرد التمويل أو ضخامة القطاع النفطي إلى وجود قوى احتكارية متكاتفة تعمل بكل حرية وحماية نظامية في الأسواق السعودية تحت عباءات المجموعات التجارية، وما لم يعاد النظر في قوانين وأصول اللعبة وإعادة تنظيم ملاعبها فلا أظن أن في الأفق حلا عمليا تتمكن من خلاله المنشآت الصغيرة والمتوسطة من المساهمة بشكل أكبر في الإنتاج والتوظيف في بلادنا التي نسعى جميعا لرفعتها وإصلاح نواحي الخلل في اقتصادها بالعمل على إيجاد صيغة تنظيمية عادلة تتكافأ فيها الفرص بين جميع مواطنيها.
نقلا عن عكاظ
- تحت رعاية خادم الحرمين.. تنظمه جامعة الإمام الرياض تحتضن المؤتمر الدولي «دور الجامعات في تعزيز قيم الانتماء الوطني والتعايش السلمي»
- سمو ولي العهد يستقبل أصحاب السمو أمراء المناطق
- وقف إعلان دقوا الشماسي بعد طلب أسرة عبد الحليم حافظ
- مشروع يوثّق المواقع السعودية التي عاش فيها أشهر شعراء العرب عبر التاريخ
- الصين تقدم شكوى إلى منظمة التجارة العالمية ضد الدعم الأمريكي للسيارات الكهربائية
- لبنى الخالدي تشارك في حفل جوائز المرأة العربية
- مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية يستعرض المؤشرات الاقتصادية المحلية والدولية
- قرص دواء واحد” يحاكي فوائد اللياقة البدنية دون ممارسة الرياضة..
- ألواح شمسية في مقل العيون .. خيال أصبح حقيقة
- أحداث وقعت في الخامس عشر من رمضان ابرزها زواج الرسول محمد
مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد السعودي
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.alwakad.net/articles/48462.html