الإستراتيجية.. التخطيط أم التنفيذ
على الرغم من كل ما يمكن ان يكتب أو يقال عن اهمية التخطيط الإستراتيجي الا ان السؤال المقلق دائما هو لماذا تفشل كثير من المنشآت في تطبيق إستراتيجياتها. وعلى الرغم من كل الإحتياطات التي يمكن أن تؤخذ في الاعتبار اثناء التخطيط الإستراتيجي إلا أن التنفيذ هو المحك الحقيقي للنجاح. وعلى الرغم من أن هناك معرفة حقيقية وراسخة لدى كثير من المديرين أن النجاح الحقيقي في نهاية المطاف في تنفيذ الإستراتيجية المخطط لها. وعلى الرغم من ، ومن ، إلا أن السؤال المحير دائما لماذا هذا الفشل في التنفيذ ولماذا لا تنجح كثير من المنشآت في تطبيق إستراتيجياتها؟
واذا كان هذا السؤال مهما فعلا فالأهم منه هو لماذا لا تتعامل المنشآت معه بشيء من الإيجابية. لماذ لم تستطع المنشآت أن تطور آليات عمل تسمح لها بتنفيذ إستراتيجياتها بالشكل المطلوب. لماذا لا تعمل المنشآت الإجراءات الكافية والكفيلة بتحقيق النتائج التي تطمح أن تحققها ضمن خطتها الإستراتيجية. ولماذا يفشل كثير من المديرين في تحقيق اهدافهم ولا يستطيعون تنفيذ خططهم الإستراتيجية.
هل يعقل أن تعلم المنشآت ويعلم مديروها التنفيذيون اهمية تنفيذ الإستراتيجية بشكل صحيح وما يترتب عليه من نجاحات أو اخفاقات ومع ذلك لا يبذلون الجهد اللازم لذلك. ومما يزيد في الغرابة هو أننا هنا لا نتحدث عن إستراتيجيات تم إعدادها خارج اسوار المنشأة ثم فرضت على مديريها للتنفيذ بل نتحدث عن إستراتيجية تم إعدادها داخل المنشأة ولكنها فشلت في تنفيذها ، وما يقال على منشآت قطاع ينطبق على غيره. وقد طرح مثل هذه الأسئلة هيربنك في كتابه تفعيل الإستراتيجية وغيره من الإستراتيجين ولاتزال المشكلة قائمة.
لن التمس الأعذار هنا ولن ادعي أن لدي الحل. ولكن لا بد من الاعتراف اولاً أن العملية ليست بالسهلة وأن مثل هذه المواضع من التعقيد ومن التداخل ما يجعل تشخيصها ناهيك عن حلها امرا ليس بالسهل ، ولكن الذي استطيع الجزم به أن هناك اسبابا تحول بين هذه المنشآت ومديريها وبين تنفيذ إستراتيجيات منشآتهم. وساقف هنا طرفا من هذه الأسباب على امل استكمالها في وقت اخر.
السبب الأول هنا وهو سبب يتعلق بقطاع التعليم وما يدور في فلكه من تدريب وتاهيل ، فالمديرون اليوم ، وامس وما قبله ، لم يتعلموا أويتدربوا على التنفيذ بقدر ما تعلموا وتدربوا على التخطيط. ولو اخذنا على سبيل المثال مناهج التعليم في ماجستير ادارة الأعمال ، وهو البرنامج الأكثر شهرة لتاهيل مديري الأعمال في العالم واقربها الى قطاعات الأعمال الاكثر حرصا على التنفيذ الدقيق لخططها واستراتيجياتها ، وهو برنامج يكاد يكون متشابها في مقرراته وما تتضمنه من محتويات في اغلب دول العالم ومع ذلك فلا يوجد في مناهج التعليم مواد مخصصة لتعلم التنفيذ بل ان كل التركيز على التخطيط ، وما عداه من برامج وشهادات فمن باب اولى. ومما يزيد الطين بلة ان هذا الغياب شبه الكامل ، واقول شبه الكامل لانه قد يجتهد استاذ أومعهد أوجامعة بادخال شيء من التطبيق النظري في احدى مواده إلا أن هذه التطبيقات ان وجدت فهي تقدم ايضا من برج عاجي بعيد عن الممارسة اليومية والواقع العملي لاحداث السوق.
السبب الثاني والذي سيتم مناقشته في مقال قادم هو اعتقاد الإدارات العليا في المنشأة الى أن تطبيق الإستراتيجية يجب أن يترك للادارات الدنيا والذي يتولد من نظرة دونية للتطبيق يقابلها نظرة استعلائية يصحبها شيء من الذكاء للتخطيط أو أن الإبداع مقرون فقط بالتخطيط وليس له علاقة بالتنفيذ وغيرها من المبررات التي سنأتي عليها لاحقا والتي تسبب فشل التطبيق الإستراتيجي.
نقلا عن الرياض
* ادارة إستراتيجية وتسويق
كلية ادارة الأعمال – جامعة الملك سعود