بعد إعلان فوز قطر بتنظيم كأس العالم طرحت على نفسي السؤال التالي: هل تستطيع المملكة أن تنظم بطولة كأس العالم؟ كان الجواب الذي هبط عليّ كأنه من البديهيات : لا.لا تستطيع. هل قطر أكثر قوة اقتصادية من المملكة؟ الجواب: لا. هل قطر أكثر خبرة إدارية من المملكة؟ الجواب: لا. هل قطر أكثر تأثيراً في المنظمات الدولية من المملكة؟ لا. مع ذلك كلنا متفقون أن المملكة لا تستطيع أن تنظم كأس العالم.
طفقنا نتفرج في السنوات القليلة الماضية على تجربة دبي. مدينة تنمو وتتألق. امتلأت صحفنا بأخبارها ونجاحاتها وإخفاقاتها. صرنا معنيين بها. مرة نتحسر ومرة نفرح ومرة نحسد ومرة ندعو بالتوفيق. في النهاية كلنا معجبون بالتجربة ونتمناها في بلادنا: هل دبي أكثر قوة اقتصادية من المملكة؟ الجواب لا، هل دبي أكثر خبرة إدارية من المملكة ؟الجواب لا، هل دبي أكثر تأثيراً في العالم من المملكة ؟الجواب لا. لكننا متفقون أننا لا نستطيع أن نقيم مشروعاً كمشروع دبي.
لا يمر يوم دون أن تسمع أو تقرأ في جريدة عن مشكلة الخادمات في المنازل. اتهمن بالسحر والسرقة والانحراف وتخريب الأطفال وتدمير اللغة العربية وترهل الأمهات. لم يبق تهمة رديئة لم تلصق بتلك البائسات. مع ذلك بقيت الأمور على ما هي عليه. كلنا نعرف أننا لا نستطيع الاستغناء عن الخادمات وكلنا نعرف الحقيقية التي تقف وراء كراهية تلك المسكينات.
السعودة ليست استثناء.اكتسبنا خبرة كبيرة في الجدل الهروبي. خبرة في علك العصب وترك اللحم. صار مصطلح السعودة كمصطلح الاختلاط. يمس المشاعر وله مهابة دون معنى أو قيمة. تبنيناه قبل أن نعرف دلالاته. بدأنا نبحث له عن أدلة فقيهة. أصبح أيدلوجيا. بدأ يغرق في شعاراته. تحول إلى تهديد وتعيير. صار له مؤيدون ومعارضون. اختطف معه مجموعة من الكلمات الواضحة وأدخلها في غموضه. كلمات مثل تجار ورجال أعمال وقطاع خاص تحولت إلى رموز هيروغليفية.
التجار لا يوظفون السعوديين. تتردد هذه الكلمة في وسائل الإعلام وفي تصريحات المسؤولين بطريقة تكشف عن رغبة شريرة في نفوس التجار ضد الوطن والمواطنين.خلاصة ما رسب في نفوس الناس أن سبب فشل السعودة رجال الأعمال. نفس نظرية المؤامرة المؤدلجة، في النظر إلى الخادمات وفي النظر إلى حرية الصحافة وفي النظر إلى حقوق المرأة. صور لنا خيالنا( البسيط) الغرب رجلاً شيطاني الروح جالسا هناك يتآمر علينا. بنفس الذهنية والآلية صورت لنا حملات السعودة أن التجار شخص واحد أو مجموعة صغيرة خبيثة تجلس في ليلة ليلاء تتآمر على البلد واقتصاد البلد. ولا يوجد من هو أخبث من التجار سوى الخادمات. مشاكلنا في مكان ونقاشاتنا في مكان آخر. عندما يتحدث العالم عن تجربة دبي يتحدثون عن الاستثمارات وعن المقاولات عن عدد الوظائف عن القروض. بينما نحن عندما نتحدث عن دبي نتحدث عن (حريم اختلاط الخ). تابع نقاشاتنا حول ملف قطر من الآن إلى يوم حفل ختام كأس العالم عام2022 . هل سيضعون مدرجات خاصة بالنسوان؟ هل يجوز للمرأة أن تكون ضمن اللجنة المنظمة؟. العالم سيكون في واد ونحن في واد آخر. كل القضايا تجرجرنا وراءها. الأدلجة أن نمسك المشكلة من ذيلها لا من رأسها.
نقلا عن الرياض