في المملكة العربية السعودية وعبر سنواتها التي تتجاوز أربعة قرون تحدث الكثير من المنعطفات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتتجاوز المملكة كل هذه المنعطفات بطرق سلسة وتفاجئ المحللين السياسيين النتائج الايجابية التي تحدث وخاصة في الجوانب المتعلقة بالتوافق الكبير بين القرار السياسي ، والتطلعات الشعبية للمجتمع السعودي ، حيث تمتلئ الساحة الاجتماعية وبشكل ثابت تاريخيا بالمؤيدين للقرار الحكومي بشكل كبير ومن جميع الطبقات وهذا يجيب عن أسئلة مهمة حول التوافق الحقيقي والفعلي الموجود بين رأس الهرم السياسي، وبين أفق المجتمع.
المجتمع السعودي يدرك أن الاستقرار صناعة لا يجيدها سوى المحنكين لذلك هو يثق بقدرات قادة المجتمع حيث القرارات المتأنية والحازمة في ذات الوقت تجاه المواقف السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية ولذلك يحدث وبشكل دائم أن هناك تناسبا طرديا بين المنعطفات التي تحدث في المملكة، وبين الثقة الشعبية في الحلول المقدمة.
التوافق الثقافي الاجتماعي في المملكة العربية السعودية يشكل زاوية صلبة بين تقاطعات السياسة والشعب حيث تثبت المواقف دائما أن المجتمع يفكر بنفس الطريقة التي تفكر بها قيادة المجتمع وكذلك العكس، وهذا ما يجعل الكثير من القضايا المهمة تجد طريقها إلى النجاح بطرق مهنية يتم قبولها من الجميع.
فعلى سبيل المثال وعند الحديث عن قضية التعامل مع الإرهاب في المملكة العربية السعودية نجد أنه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في العام 2001 م وقف العالم مشدوها أمام حجم العمل الإرهابي الذي نفذته مجموعة الإرهابيين ممن ينتمون فكريا إلى تنظيم القاعدة بينما ينتمون في هوياتهم الوطنية إلى المملكة العربية السعودية وكانت هذه هي المعادلة الأصعب التي تواجه المملكة البلد الإسلامي الأكثر تأثيرا في العالم.
فعلى المستوى العقدي تحتضن المملكة الحرمين الشريفين وعلى المستوى الاقتصادي تمتلك المملكة الثروة الأغلى في العالم وعلى المستوى السياسي تلعب المملكة الدور الأكبر في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
لقد كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر منعطفا مهما في حياة الشعوب الإسلامية وكان الموقف بالنسبة للمملكة يتطلب معالجة أمنية وفكرية وثقافية وقد تولت وزارة الداخلية المهمة الأكبر والمتمثلة في فرض الجوانب الأمنية دون إغفال للفكر والثقافة التي ساقت نحو هذا الاتجاه.
ولم يمض سوى أقل من سنتين بعد أحداث سبتمبر إلا وتتعرض السعودية لأول عملية إرهابية ذات علاقة بتنظيم القاعدة بشكل مباشر ما تطلب تدخلا وتكثيفا في الجهاز الأمني الذي نجح بقيادة وزارة الداخلية في القضاء على تنظيم القاعدة وخطره الوشيك في المجتمع بل تم الكشف عن خيوط هذا التنظيم ليس على المستوى الوطني بل على مستويات إقليمية ودولية وساهمت المملكة في محاربة الإرهاب دوليا كما دعا خادم الحرمين الشريفين في العام 2005م إلى إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب يساهم في تقويض هذا النشاط الشرير ضد البشرية.
على الجانب الشعبي ظهر تأييد كبير للجهاز الأمني وساهم المجتمع في تجنيد نفسه مساعداً لكل الجهود المبذولة من اجل القضاء على الفكر المتطرف الضال وقد أشاد العالم بقدرة وزارة الداخلية السعودية ورجالاتها وعلى رأسهم سمو ولي العهد ووزير الداخلية سمو الأمير نايف في التصدي لظاهرة الإرهاب.
وفي واحدة من أصعب المهام وأعقدها تمكنت وزارة الداخلية من شرح وتفكيك تلك العلاقة الشائكة بين الثقافة السائدة القائمة على الاعتزاز بالدين وتقاليده، وبين الفئات الضالة التي سعت إلى إرباك الفكر الشعبي من خلال حديثها الممزوج بالتعاليم الدينية وتفسيراته الخاصة بتلك الفئات في محاولة منها لجعل التهم التي تقدم إليها مرتبطة بالمجتمع وذلك عبر تطرفها وغلوها في التفسير الصحيح للواقع العقدي.
ولعل من اكبر النجاحات التي حققتها أجهزة الأمن في جوانبها الفكرية والأمنية أن رسمت ذلك الخط الواضح بين الثقافة المجتمعية وبين تفسيرات تلك الثقافة عبر منهج الوسطية والاستدلال بالتراث الديني والحدث التاريخي للرد على منتهجي الثقافة المتطرفة.
لم يكن القضاء على الإرهاب عملية سهلة وإنما كان دليلا على الاستقرار والثبات المجتمعي في هذا الوطن ففي دول كثيرة ذات خبرات كبيرة لم تستطع أن تمنع وتوقف الضخ الفكري المنحرف، ولكن في المجتمع السعودي كانت المعالجة متوازية بين العنصر الأمني والفكري ما جعل الكثير من الدول تشيد بهذا الجانب بل استفادت من تطبيقاته.
كثير من المحللين لا يدركون حجم النجاح الذي تحقق في الخروج من أزمة الإرهاب بهذه الطريقة والتي ساهمت في حماية حقيقية للمجتمع فلم يشعر السعوديون بالخوف أو القلق لأن المعالجة الأمنية والفكرية كانت تسبق كل مخاوفهم وتبدد كل تساؤلاتهم وهذا انعكاس طبيعي للثقة التي تملأ سماء المجتمع.
لقد حققت السعودية نجاحا يدركه أبناء الوطن في قضية الإرهاب في مجتمع تتقاطع فيه الكثير من القضايا الفكرية والتراثية لذلك جاءت المعالجات الفكرية لحسم الفهم الخاطئ لتفسيرات دينية تم استثمارها عبر المتطرفين لتبرير القتل والتدمير.
في مثال آخر كذلك استطاع الاستقرار والثبات السعودي وفق منهجية الحكمة والتأني والحزم ففي مناسبة الحج تثبت المملكة للعالم أنها جديرة بخدمة ما شرفها الله بخدمته حيث مواسم الحج التي تتكرر سنويا، حيث يجتمع ملايين من البشر ومن بقاع العالم لأداء مناسك الحج في مساحة محدودة وفي زمن محدود وهذا ما يجعل المهمة أكثر صعوبة.
النجاحات والإشادة المحلية والدولية تثبت قدرة هذا الوطن على القيام بخدمة ضيوف الرحمن حيث تتشرف السعودية بأنها تقدم كل ما لديها من خدمات في سبيل راحة الحجيج دون أن يكون لها مردود سوى أنها تعتبر ذلك شرفا منحها الله إياه لتقديم كل ما يساهم في تسهيل مهام هؤلاء الحجاج وهذه نزعة تاريخية أحاطت هذه البقاع الطاهرة ومن يقوم عليها.
في الجانب السياسي استطاعت المملكة أن تنجز الكثير من المهام الدبلوماسية التي ساهمت وبشكل ايجابي في استقرار منطقة بأكملها ففي أزمة الكويت نهاية القرن الماضي وعندما احتُلت من جار عربي أثبتت المملكة العربية السعودية للعالم مكانتها السياسية في لعب دور دولي لحماية الشرعية الدولية وإعادة استقرار بلد تم احتلاله بطريقة همجية من جار قريب.
وقبل أيام فقدت السعودية احد رجالاتها المخلصين ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله، الذي شكل غيابه فراغا كبيرا في أعمدة السياسة السعودية، وخلال وقت قصير تثبت السياسة السعودية قدرتها الدائمة على الاستقرار والثبات بتعيين سمو الأمير نايف وليا للعهد ذلك الرجل الذي تولى ونجح في مهمة الأمن في زمن القاعدة والثورات العربية وبتوافق سياسي وشعبي عكس مظهرا تاريخيا ثابتا لهذا الوطن واستقراره في ظل قيادة خادم الحرمين أيده الله..
نقلا عن الرياض